يكثر اللاعبون القدامى منهم والجدد على خط الاستحقاق الرئاسي، ووفق مقولة التجربة تثبت الحقيقة، فإنّ القادة اللبنانيين برهنوا تاريخيًا أنهم ما كانوا يومًا مستقلين فعليًا في خياراتهم السياسية سواء الاستراتيجية المصيرية منها أو التكتيكية الضيقة، لا بل انهم يعيشون ومنذ سنوات وبوتيرة متصاعدة حالة ادمان على استجلاب الخارج، وواهم من يعتقد لبرهة ما ان باستطاعة هؤلاء السير بخطوة واحدة دون قرار عبور اقليمي او دولي، حتى ان بعضهم وصل لتوسل الاستدعاء الخارجي على قاعدة "اذا ما بتجوا منروح لعندكن"، وها قد بدأ فعلا طرق أبواب السفارات العربية والاجنبية وقيام البعض بالسفر الى عواصم القرار متأمّلاً بالنجاح في ما فشل فيه سابقوه، وذلك بتجاهل لواقع أنّ الرئيس اللبناني لن يأتي إلا بالتقاء مصالح اقليمية - دولية وتوافق بين المقررين جميعًا في لحظة ما يبدو أنها ستتخطى حكمًا المهلة الدستورية للانتخاب في 25 ايار الحالي.

حركة الاتصالات الدولية حتى الآن أفضت وبسرعة قياسية لنتائج هامة عمّا كانت الأمور متجهة إليه سياسيًا وأمنيًا قبيل أسابيع، فالمظلة الاقليمية الدولية ألقت بظلالها على لبنان منذ القرار الأميركي بمكافحة ودعم كل من يواجه الارهاب في المنطقة، والخطة التي سرت في لبنان لم تتخطّ السقف الأمني حتى الآن لتصل لتسويات سياسية اشمل، ولم تخرج ابدا عن هذا القرار الممتد من العراق مرورا بسوريا وصولا للبنان.

حُكي الكثير عن بوادر تحرك في المنطقة يدور حول الرئاسة اللبنانية، تقودها باريس بضوء أخضر أميركي، ويتداول في تقاصيله على محوري طهران الرياض، وذلك بسبب ثقل هذين البلدين على الملف اللبناني ودرايتهم بأبسط التفاصيل لفريقين لا يخرجان أبدًا عن طوعهما، والحديث حول الرفض الفرنسي والاميركي للفراغ في الرئاسة الاولى بدا يترجم فعليا عبر التحرك المتعدد الاتجاهات سواء زيارة السفير الاميركي للرياض او التحرك غير المعلن للسفير الفرنسي في بيروت، وقد بداو مشاوراتهم في محاولة لايصال الرئيس الاقرب لهم ان لم يتمكنوا من ايصال مرشحهم الاساسي، نظرا لتعدد اللاعبين ولصعوبة تحديد من يكون رئيس دون الاخذ بنفوذ الفريق المناؤئ لهم، فترابط الملفات في المنطقة لم يعد خافيا على احد، و لا يمكن لاحدى القوى الفاعلة على الساحة اللبنانية ان تنال مكسبا سياسيا مجانيا دون ثمن مقابل، خصوصا ان موقع الرئاسة وبغض النظر عن مدى صلاحيته، بات متقدما اكثر كرمز للشرعية وراس الهرم لكل السلطات، معنويا ان لم يكن اجرائيا.

انتظار القوى اللبنانبة المتصارعة لاستحقاقات المنطقة لا سيما الانتخابات الرئاسية المصرية والسورية ورئاسة الحكومة العراقية، قد يطول كثيرا نظرا لتعقيدات هذه الملفات وارجحية استمراريتها في المستقبل القريب، وهذه الاستحقاقات توازيها ايضا المفاوضات النووية التي ووفق وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف تكتب بنودها ونصها النهائي في هذه الاسابيع، ومن الممكن ان يتضمن هذا النص اجندة سياسية محددة قد نرى انعكاساتها على الارض رغم ان الايرانيين رفضوا قبلا تناول الملفات الاخرى مع الاميركيين واشترطوا حصرها بالنووي، الا ان هذا لا يعني عدم التنسيق بينهما في عدة ازمات والانفتاح السعودي على ايران بعد تعنت طويل لم يكن يتيمًا، ولم تبدا الا بعد الزيارة الشهيرة للرئيس الاميركي باراك اوباما للسعودية في 28 اذار الماضي، ورسائل الطمأنة التي تلقاها المسؤولون هناك ودفعهم نحو بدء التقارب نحو طهران بإرادتهم او طوعا نظرا للاولويات الاميركية وجدولة ملفاتهم المكدسة، ويجري الحديث حاليا عن ان الصفقة الايرانية –الاميركية المتوقع حسمها قريبا حول الملف النووي، ستترجم ايضا تقاربا ايرانيا سعوديا لا سيما في المجال القومي للاخيرة والمتعلق بضبط المنطقة الشرقية فيها وكبح "الانفلاش" الحوثي في اليمن، اما الدول الاكثر سخونة في مصر والعراق وسوريا فقد يـتأخر الخوض في تفاصيلها حتى تتكشف موازين القوى الجديدة بعد الانتخابات الرئاسية داخلها وتتمظهر احجام القوى، ولذلك يبدو ان الاستحقاق الرئاسي سيطول الى ايلول او ما بعده، وسيبقى اللبنانيون ينتظرون ما يحصل في محيطهم لأن قادتهم اعجز من ان يسجلوا اي خطوة جريئة مستقلة ولو لمرة واحدة.