مجرّد حصول لقاء أميركي - إيراني مباشر يعني أنّ المنطقة مقبلة على متغيرات لن تقتصر على حدود العلاقة بين الجمهورية الإيرانية والولايات المتحدة. في الشكل طويت مرحلة العداء بين الدولتين بجلوس الجانبين على طاولة واحدة من دون وسيط. وفي المضمون حضرت التباينات. تريد واشنطن طرح كل الأزمات لمعالجتها دفعة واحدة، لكن طهران تسير خطوة تلو خطوة.

في الأشهر الماضية لعبت تركيا و سلطنة عمان ادواراً لتقريب وجهات النظر بين الأميركيين والإيرانيين. الطرفان يتبادلان المكتسبات جراء الحل المرتقب.

تدرك واشنطن ان طهران وصلت الى مرحلة المنافسة التكنولوجية عبر الطاقة النووية. هي تريد التخفيف من الاثار الاقتصادية السلبية التي سيحصدها الغرب. لذلك اشترطت العواصم الغربية خلال اجتماعات ايران مع "السداسية" خفض عدد الطرود لعدم ارتفاع الانتاج و إقفال معامل نووية في ايران والاكتفاء بحدود حاجة الجمهورية الاسلامية للطاقة. جوهر القضية هو الاقتصاد وسوق المال.

لا تُفصَل الحسابات السياسية عن الاقتصاد. هما مترابطان بالأسواق ومساحات النفوذ.

مجرد اعتراف الغرب بحق ايران بالإنتاج التكنولوجي والتوسع الاقتصادي يعني الإقرار بنفوذها السياسي.

أدرك الإيرانيون ان المرحلة الجديدة هي لفتح بلادهم على اقتصاد العالم. هم بحاجة الى تحقيق الارتياح المالي الذي يبتغيه المواطن الإيراني. يستطيعون المنافسة بعدما ثبتوا أسس الجمهورية و اصبحوا في مرحلة الاكتفاء الذاتي. يُحكى ان الإيرانيين لم يستعملوا زيت الزيتون مثلاً في طعامهم في السنوات السابقة ولم يستوردوه حتى وصلوا إلى مرحلة إنتاجه والاكتفاء ذاتياً، لا بل تصديره.

بالمقابل، لم تعد عقدة الأميركيين امن اسرائيل لا غير. هناك حسابات أبعد. تستطيع طهران تهديد الاسواق العالمية بالمنتوجات النفطية والنووية العلمية والجغرافية المتحكمة بمساحات عبور. هي لم تتأثر كثيراً بالعقوبات الاقتصادية كما كان يخطط الغرب. على العكس شكلت حافزا للتقدم. في الأشهر الماضية ارتفع سعر الذهب بسبب اعتماد ايران عليه كعملة صعبة في التبادل مع عواصم العالم.

في السياسة لم ينكسر حلفاء ايران لا في سوريا ولا في العراق ولا عند عناصر المقاومة. تصاعدت قوة الجمهورية الاسلامية. تزايدت مخاطر الارهاب الناجم عن تفرعات تنظيم "القاعدة". عمليا ازداد قلق الغرب بإتجاهين: تراجع اقتصادي و توسع إرهابي. كانت الصين تتمدد اقتصاديا على حساب الغرب أيضاً. أصبحت كل المصانع العالمية على المساحة الصفراء. تقدمت روسيا الى الامام. صارت تقارع الغرب علناً الى حد تجميد كل حركته الدولية في المجالس الأممية.

لم يعد الغرب وحده المتحكم بكل الاتجاهات العسكرية والسياسية والصناعية والمالية... المنافسة تزداد.

من هنا اقترب الجانبان الأميركي والإيراني الى طاولة المفاوضات نتيجة مصالح متبادلة.

التأثير لا يقتصر فقط على المواضيع المطروحة. لا يمكن ان تبقى ايران وحلفاؤها في خانة العدو للولايات المتحدة او العكس، ما يعني حكماً حصول متغيرات. الادارة الأميركية تساند حليف طهران في العراق، وإيران ستواكب انسحاب الأميركيين من افغانستان بسلام. لكن ماذا عن سوريا؟

تفرض الوقائع الميدانية والسياسية اعتراف الادارة الاميركية بوجهة نظر طهران تجاه الوضع في سوريا مع بعض المتغيرات التجميلية. يقولون ان واشنطن تسعى للحصول على حصة او نفوذ ما في المرحلة السورية الجديدة بعدما تهاوى الطموح من إسقاط النظام الى الحصول على مكسب.

تستطيع إيران أن تتحكم أو تلعب دور الوساطة او تسوّق لحل ما. كل المؤشرات توحي بذلك في زمن التحالف مع تركيا و ازدياد حجم التبادل التجاري بين انقره وطهران، و لقاء الإيرانيين مع الأميركيين ثم الأوروبيين والروس، وفكفكة عقد الازمة مع السعودية تدريجيا ومع مصر.

الم تُدعَ طهران الى حفل تنصيب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؟ الم يقم امير الكويت بزيارة الى طهران للتقريب بين الإيرانيين والسعوديين؟ الم تحصل زيارات متبادلة بين الإماراتيين والإيرانيين؟ الم تربح طهران الرهان كما يبدو حول سوريا؟

انها حكاية المرحلة الجديدة القادمة الى المنطقة. أبطالها الإيرانيون.. انه زمن طهران ومن حالفها بالطبع.