لا تنحصر الهزيمة التي مُني بها "الحزب الديمقراطي" في الولايات المتحدة الأميركية في الانتقام الشعبي من الرئيس باراك أوباما لفشله في إدارة البيت الأبيض وسياساته كما يتمنى الأميركيون على المستوييْن الداخلي والخارجي، فالمسألة تتجاوز ذلك إلى الحلم الأميركي الذي تحوّل حطاماً على أيدي "الديمقراطيين" كما "الجمهوريين" على حد سواء، وإن كانت الإدارة الخفية تُعيد التموضع بين الحزبين، وحتى موضعة الحزبين وفق الطموحات والأطماع المستحدَثة تبعاً للتطورات في العالم.

نتيجة الانتخابات النصفية للكونغرس مكّنت "الجمهوريين" من تشديد قبضتهم على مجلس الشيوخ، وهم أصلاً أكثرية مشهودة في مجلس النواب، ما يعني أن "الجمهوريين"، وبالقانون، يمكن أن يعرقلوا أي مشروع لأوباما؛ لمزيد من الإحراج والشماتة، ومن باب النكد إذا أرادوا، كي يُظهروا أن الرئيس مصنوع من الفشل، مع معرفتهم المسبقة بأن "الفيتو" الممسك به رئيس الولايات المتحدة يعطيه حقوق، ومن الصعب عليه استخدامها، إلا إذا أراد "الكباش"، وهو لا يمتلك هذه الشخصية، بدليل أن تعليقه الأول على الهزيمة كان بقوله إنه حريص على التعاون مع الكونغرس الجديد خلال العامين المتبقييْن من ولايته الثانية، وإنه "يمدّ يده للعمل مع الزعماء الجمهوريين، لكن هذا لا يعني أننا لن نختلف حول بعض القضايا"، سيما في القضايا الداخلية، مثل قانون الرعاية الصحية، وإصلاح قوانين الهجرة.

الأهم أن أوباما اعترف بأن الهزيمة التي حصلت قاسية، لكنه سعى لإنقاذ صورة حزبه من خلال تحميل المسؤولية لإدارة مكتبه، مع تحمُّله شخصياً التبعات قائلاً: "لقد هُزمنا، المسؤولية تقع على مكتبي، وعندما لا يُبلي الحزب حسناً، فزعيم الحزب يتحمّل المسؤولية، وأنا هوالزعيم".. وقال في مكان آخر متوجِّهاً للناخبين الذين صوّتوا: "أسمعكم، ولثلثي الناخبين الذين لم يصوّتوا، أنا أسمعكم أيضاً".. وتلك هي العبارة نفسها التي قالها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي قبل فراره إلى السعودية.

ما سبق ليس إلا الشكل في الانتخابات والنتائج، سيما أن "الجمهوريين" أنفسهم لم يكونوا في أكثر توقعاتهم تفاؤلاً يحلمون بالنتيجة التي حصدوها، والتي قضت على أحلام أوباما نهائياً كرئيس يمكن أن يخلّد، إذ إن طموحه ارتفع إلى أن يكون ابراهام لنكولن القرن الـ21، لكنه يقاتل اليوم كي لا ينتهي في مزبلة تاريخ البيت الأبيض، وفق ما كتب اريك كول في "كورييه انترناسيونال".

"لقد سعى أوباما ليكون رئيساً عظيماً من غير أن تكون لديه الخامة والقدرة المطلوبتيْن لتحقيق ذلك.. إنه مخيّب للآمال، لكنه ليس أول رئيس مخيب للآمال، ولن يكون الأخير"، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

يتعرّض أوباما اليوم من الصحافة الأميركية المعروفة بارتباطاتها الاستخبارية لأشرس حملة؛ تماماً كما كان نصيب الجمهوري جورج بوش الثاني، الذي لم يحاسَب حين قال إنه يشنّ "حرباً صليبية"، وإنه ينفذ "وعداً إلهياً بالحرب"، وإنما دفع الثمن بعد الفشل المدوّي في حربيْه اللتين حرّكتا غضب الشارع، فكان أن أُتي بأوباما لتبييض وجه أميركا الأسود برجل أسود.

لا شك أن نتائج الانتخابات النصفية هي إعادة تموضع للإدارة الأميركية، لذلك فإن نجح أوباما في التوصُّل إلى اتفاق مع إيران بشأن الملف النووي فإنه يُثبت أن لديه هامشاً من الحرية، وإن حصل العكس وأرسل مزيداً من الجنود الأميركيين بزعم التدريب إلى العراق، يكون مجرّد أداة تنفّذ المخطط الذي بدأه جورج بوش الصغير.

لقد سعى أوباما وأراد أن تستعيد أميركا مكانتها في العالم، لكنه زاد تراجعها، وهذا ما ركّزت عليه الصحافة الأميركية، وكذا فعل قبله جورج بوش الأصغر، وفي كلا الحالين الشعب الأميركي صوّت على خسارة حلمه.