في وقتٍ بدأ فيه الاعلام الغربي بنعي نتائج زيارة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي مستورا المتمحورة حول مبادرته بخصوص وقف اطلاق النار، والبحث عن تسوية سياسية تبدأ من مدينة حلب الموزعة جغرافياً وسياسيًا بين ​الجيش السوري​ من جهة و"​جبهة النصرة​" وسائر المعارضة المسلحة من جهة ثانية، كشف زوار العاصمة السورية أنّ الرئيس السوري ​بشار الأسد​ وافق من الأساس على المبادرة لعلمه بأنّها تسير نحو الفشل الذريع، خصوصًا أنّ تركيا وإسرائيل لم يحققا أهدافهما بعد من الحرب السورية، فليس من باب الصدفة أن تشتعل جبهتا حلب والحدود الجنوبية في وقتٍ واحدٍ، فالأولى التي تشكل العاصمة الاقتصادية لسوريا وشريانها الحيوي يدين مسلحوها بالولاء لتركيا ويتبعون لغرفة عمليات موحدة يديرها خبراء من أراضيها، والثانية التي تبعد عشرات الكيلومترات عن العاصمة السياسية دمشق يدين مسلحوها بالولاء لاسرائيل ويتلقون الدعم اللوجستي منها، كما يتلقون العلاج في مستشفيات ميدانية واقعة في المنطقة العازلة بين سوريا واسرائيل مرورا بالجولان، في ما يعتبره هؤلاء دليلا قاطعًا على عمق العلاقة وتقاطع المصالح بين هذا المثلث أي تركيا واسرائيل وبعض المعارضة اذا لم يكن غالبيتها.

ما دفع بالاسد إلى الاستمرار بممارسة لعبة الرقص على حافة الهاوية، ودائمًا بحسب هؤلاء الزوار، هو ثقته الكاملة بحلفائه وتقديره للمستقبل القريب والبعيد، إضافة إلى نتائج اتصالات دبلوماسيته بدبلوماسيات غربية عمومًا والخارجية الأميركية خصوصًا، فصحيح أنّ واشنطن لن تمانع إقامة حزام أمني بين سوريا واسرائيل وهذا هو الهدف الاسرائيلي من دعم المعارضة على حدودها مع الجولان، إلا أنها تمانع ذلك بالنسبة لتركيا وذلك لأسبابٍ متصلة مباشرة بمعابر النفط والغاز الحالية والمزمع إقامتها قريبًا، إضافة إلى اتصال الواقع التركي مع الملف الكردي بتفاصيله وزواريبه، ناهيك عن مصالح أميركية متصلة بلعبة التوازنات العربية والاسلامية واتصالها باقتسام النفوذ الدولي في الخليج العربي-الفارسي. وهذا ما يبرر انقلاب المشهد الميداني السوري بين الشمال حيث يسجل الجيش السوري تقدمًا يوميًا واستراتيجيًا فيما تسجل المعارضة تقدمًا ملحوظا على الجبهة الجنوبية.

هذا لا يعني بأنّ الخريطة العسكرية سترسو على هذه المعادلة، بل إنّ ما يحصل على الجبهة الجنوبية هو من باب إعادة الانتشار الذي ينفذه الجيش السوري، فصحيحٌ أنه خسر بعض المواقع الاستراتيجية، إلا أنّ ذلك دفعه إلى الخروج من حرب الاستنزاف ليعيد تثبيت مواقعه، تمهيدًا لاعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الهجمات الأخيرة التي نفذتها المعارضة ونجحت في تحقيق اختراقات لافتة من خلالها، مع الاشارة إلى أنّ المصدر عينه يؤكد بأنّ الجيش بدأ منذ أيام بتعزيز مواقعه العسكرية ورفد جبهاته بأسلحة جديدة متطورة بما يعزّز هذا الاعتقاد لاسيما أنّ اقتراب المعارضة من حدود العاصمة دمشق يشكل خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، بعد أن اقترب المسلحون إلى مسافة خمسة وعشرين كيلومترًا منها ما جعل التهديد لأحيائها حقيقة واقعة في ظل امتلاك المعارضة لاسلحة وصواريخ بعيدة المدى قادرة على إرباك الاوضاع السياسية والاقتصادية في دمشق.

في الموازاة، يشير الزوار إلى أنّ المعادلة التي ينتهجها الأسد واضحة بالنسبة للمتصلين به، فهو لا يرفض إشراك المعارضة في أيّ حكومة جديدة مفترضة بشرطين، الاول عدم إشراك معارضة الخارج، والثاني الابقاء على حقائب الدفاع والامن والداخلية في عهدة النظام و"حزب البعث" تحديدًا. وهذا ما لا ترفضه موسكو ولا واشنطن التي تسعى إلى تبريد بعض الملفات الخارجية المتصلة بالشرق الاوسط، لتعزيز المواقع التي خسرها الرئيس الأميركي ​باراك أوباما​ بعد الانتخابات الأخيرة التي أدّت إلى خسارة حزبه للاكثرية داخل الكونغرس لمصلحة الجمهوريين، إضافة إلى انصرافه وفريق عمله لمتابعة المستجدات في الداخل الاسرائيلي بعد أن استقرّ المشهد العربي على تقليم أظافر دولة الخلافة الاسلامية من دون مقاربة زوالها، أقله في هذه المرحلة التي تتطلب المزيد من أدوات الضغط.