في وقتٍ التقط فيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري ما وصفه بالاشارات الايجابية المتعلقة بامكانية انتخاب رئيس جديد للبلاد، توقف قيادي بارز عند هذا الكلام لينفي إمكانية حصول المصادفات في عالم السياسة، وبالتالي فإنّ من الطبيعي الاعتقاد بأنّ هذا الاعلان هو للتغطية على ​التمديد​ لمجلس النواب كلّ هذه المدة، خصوصًا أنّ إعلان بري جاء بعد أقلّ من أسبوع على جلسة التمديد مع ما رافقها من لغط، وبالتزامن الكامل مع حملة وزير الصحة وائل أبو فاعور على سلامة الغذاء بالرغم من بقاء كلّ التقارير والمعطيات المتصلة بهذا الملف في أدراج الوزارات والادارات منذ سنوات، إضافة إلى تحريك لجنة إعداد قانون الانتخابات، مع أنّ التجارب السابقة تثبت بما لا يقبل الشك بأنّ اللجان هي مقبرة المشاريع، ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ كلّ الحراك السياسي الدائر راهنًا هو للتغطية أو للالهاء.

ما يعزّز هذا الاعتقاد بالنسبة للمصدر هو اعتراف الأفرقاء عمومًا وبري خصوصًا بوجود عوامل خارجية مؤثرة، إضافة إلى ترابط بين أزمة لبنان وأزمة المنطقة، وبالتالي فإنّ شيئاً جديدًا لم يحدث على أيّ من المستويات الخارجية أو الاقليمية أو الداخلية، ما يطرح علامة استفهام حول العوامل التي أدّت إلى تحريك ملف الرئاسة من جهة وقانون الانتخابات من جهة ثانية. بيد أنّ الارتباط مع الخارج بات أقوى من قدرة أيّ من الافرقاء على تحريك هذا الملف أو ذاك، بل على العكس تمامًا فإنّ أيّ حوار مفترض سيكون انعكاسًا للحوار الاقليمي الدائر في سلطنة عمان بين المملكة العربية السعودية وإيران، إضافة إلى نتائج الحوار بين الأولى وبعض الدول الخليجية وتركيا، والثانية مع الغرب والدول الاوروبية. فصحيح أنّ الحوار الاميركي الايراني يبدو متعثرًا وهذا ما سيدفع باتجاه تمديد فترة المفاوضات إلى أشهر أخرى خصوصاً أنّ واشنطن لا ترغب بالعودة إلى الوراء في ظلّ عدم نيتها التورط بأيّ عمل عسكري ضد طهران، إضافة إلى أنّ عودتها إلى المربع الاول من المفاوضات لا يبدو مقبولا منها أو من قبل طهران التي تنفّست الصعداء اقتصاديًا مع الافراج عن بعض أصولها المجمدة في المصارف الاميركية، ما يعني باختصار أنّ تمديد مدة المفاوضات سيمدّد عمر الفراغ الرئاسي بانتظار تطورات أو تحولات جذرية قد لا تحدث في المدى المنظور الذي يتحدّث عنه بري، إلا إذا كان يملك كلمة السر حول هوية الرئيس العتيد.

هذا الاحتمال يبدو ضعيفًا للغاية لاسيما أنّ "حزب الله" أعلن مباشرة وللمرة الاولى عن اسم مرشحه رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، كما أبدى تمسّكه بهذا الترشيح لعدّة اعتبارات أولها أنه لن يرضى باعادة تجربة الرئيس الحيادي بعد فشلها مع الرئيس السابق ميشال سليمان، وثانيها أنه غير مستعد لأن يخسر بالسياسة ما ربحه في الميدان، بحيث يصحّ القول أنه حدّد سقف التفاوض المفترض مع "تيار المستقبل" في مقابل ردّ مباشر جاء في الساعات الاخيرة على لسان وزير الداخلية نهاد المشنوق لجهة اعتباره أنّ فوز عون أو رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ في ​الانتخابات الرئاسية​ يعني انقلاب فريق على آخر.

ويخلص المصدر الى التأكيد على وجهة نظره لجهة الاعتبار أنّ ما يحصل راهناً هو عملية إلهاء للرأي العام، لتمرير تداعيات التمديد في ظلّ اعتقاد سائد لدى غالبية المرجعيات السياسية بأنّ موقف المجلس الدستوري من التمديد الثاني لن يختلف عن موقفه من التمديد الاول حتى لو اكتمل عقد النصاب في أروقته، إلا أنّ مداولاته لن تخرج عن الاطار العام الذي يكرّس فكرة إدارة الفراغ والتعايش معه، بانتظار الحلول والتسويات الاقليمية والدولية التي قد تنعكس حينها على لبنان ومستقبله.