مع تبلور صورة الصراع الإقليمي - الدولي الدائر، كشف الساعون إلى تدمير المنطقة عن وجوههم الحقيقية، بمعطيات غير مسبوقة من حيث فقدان المشاعر الإنسانية، إلى حد تجاوز الوحشية المتعارف عليها في الحروب.

العدوان الحاصل على اليمن، وسط مسلسل ترّهات غير مسبوقة، وتواطؤ دولي سمته الصمم والعيون المستعماة عن سابق تصميم، لا يعكس سوى وقائع يستحيل إخفاؤها أو التغافل عنها، ويمكن استخراج الخلاصات الآتية:

1- الصراع المحموم في المنطقة بات متجلياً في أكثر من شأن، ما جعل المصالح تتقاطع بلا أقنعة، لاسيما بين السعودية والولايات المتحدة و"إسرائيل"، وتنظيم "القاعدة" كأداة ورأس حربة لردح من الزمن. وعليه، فإن الهدف المراد تحقيقه هو تصفية كل شي حر قادر على "فرملة" المشروع التدميري للمنطقة بتاريخها وحاضرها، من أجل إرساء أسس جديدة، الأمر الذي أفشاه عن قلة دراية في الأمور السياسية وزير خارجية البحرين؛ عندما أعلن مع بداية العدوان أن "التحالف سيمتد إلى مناطق أخرى"، مع اعتبار أن اليمن هو أضعف حلقة على أساس وجود "القاعدة" وقوات أميركية خاصة على أرضه، فضلاً عن أن حدوده مع السعودية تتجاوز 1200 كلم.

2- الهدف المركزي يكمن في منع الشعب اليمني من اتخاذ قراره بنفسه، بعدما بان للقاصي والداني أن مملكة آل سعود تضع يدها على الثروات اليمنية مقابل رشى للمسؤولين، وتعمل على مصادرة ثروة نفطية داخل الحدود اليمنية المتاخمة لأراض مغتصَبة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ولذلك كان يتم نسف أي اتفاق يتوصّل إليه اليمنيون، تارة عبر آل الأحمر وبعض القيادات العسكرية منهم، وطوراً عبر تنظيم "القاعدة".

3- الفشل الذريع في إركاع اليمنيين، من خلال حوار ابتغته السعودية مجرد حوار تبعي إذلالي رفضته الغالبية العظمى من اليمنيين، عجّل في العدوان، سيما أن المحور المتصدي لـ"الحرب الناعمة" كاد يقترب من قلب الموازين بغالبيتها لمصلحته، خصوصاً أن تنظيم "القاعدة" بدأ يضعف في اليمن، إلى الحد الذي دفع السعودية للاستعانة بحزب "الإصلاح" (إخوان مسلمون) لمؤازرة "القاعدة" بعد الانهيار في الشمال، وبدأ الانهيار في الجنوب، بعد أن كانت السعودية منت النفس إخضاع الشعب اليمني ووضعه تحت الوصاية السعودية - الأميركية - الصهيونية.

4- الحقد السعودي المضاف إلى ما سبق، جوهره موضوعي في سياق الصراع، لأن كل الرشى المقدمة لم تقنع "أنصار الله" كجزء مكوّن وأساسي في المجتع اليمني بالتخلي عن الشعار المرفوع، والذي يحاكي ضمير الشعب كله، وهو: "الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل - اللعنة على اليهود".

5- فشل "القاعدة" ومعها "حزب الإصلاح" وبقايا مؤيدي الرئيس المستقيل والفار إلى السعودية عبد ربه منصور هادي ، استعجل التحالف الشرير لإنقاذ "القاعدة" المتهاوية.

إلا أن النتائج الميدانية المفجعة للمغامرين زادت منسوب الانتقام من الجو الذي يشغّل مصانع إنتاج القتل والدمار الأميركييْن من الصواريخ ومشتقاتها التدميرية، والتي لم تنل من عزيمة وشكيمة الشعب اليمني الصبور حتى اللحظة الموعودة، إنما نالت من المؤسسات وفبارك المأكولات والمدارس والبنى الوطنية الأخرى.

على المستوى السياسي، فإن الفجيعة باتت أكبر جراء الصمود الأسطوري لليمنيين بحكمتهم، بحيث جاءت اللطمة مدوّية من الباكستان برفض إرسال قوات برية تقاتل بدلاً عن أحقاد الطغم الحاكمة في مشيخات هرمة.

السعودية تحاول حالياً أن تراود تركيا عن سورية بانها مستعدة للتعاون في الحرب الجوية على سورية، أو تشكيل غطاء للقوات التركية إذا أرادت غزو الأراضي السورية، مقابل تقديم تركيا غطاء للعدوان على اليمن، وإرسال قوات - ولو على شكل مرتزقة - بعد فشل دعوة مفتيي آل سعود بالجهاد والانضمام للقتال ضد اليمن، والتهكم على دعوة كبير آل سعود بأن حربه هي حرب الدفاع عن الدين.

لا شك أن بنك الأهداف للعدوان الجوي انتهى منذ زمن، وليس القصف المستمر إلا لمزيد من استهلاك الذخائر التي "زنجرت" في المخازن والمطلوب التخلص منها، لإلزام السعوديين بشراء المزيد، ولذلك فإنه لم يعد أمام مصممي العدوان والمشاركين فيه إلا طريق من اثنين: إما الدخول في عدوان بري يهابون نتائجه، وإما الذهاب إلى المفاوضات، وفي كلا الحالتين سيخسرون، مع أن الاتجاه، ورغم نبرة الحرب العالية، هو للمفاوضات، ولذلك تسرع السعودية في إلزام دميتها منصور هادي بإجراء تعيينات من ملجأه في الرياض.

لقد أثبت اليمنيون؛ جيشاً ولجاناً ثورية وشعباً، أنهم جاهزون للمعركة الفاصلة التي تقض مضاجع أعدائهم، ولذلك فإن التبجح الاستعراضي الموسوم بقتل المدنيين وتدمير البنى التحتية اقترب من مراحله النهائية، وهناك من يتوقع أن صراخاً سيبدأ قريباً، يجعل من القائمين على العدوان يطلبون وقف النار، وربما قبل حلول شهر أيار.