في سياق الرسالة الأولى، جاءت رسالة زعيم تنظيم "القاعدة" ​أيمن الظواهري​ الثانية، ضمن سلسلة "الربيع الإسلامي" الذي يُبشر به، لكنها قطعت الشك بأنها مسجلة قبل ما يقارب السنة من الآن، ما يطرح الكثير من علامات الإستفهام حول أسباب نشرها في الوقت الراهن، بالرغم من الأحداث التي مرت على الساحتين الإسلامية والعربية، خلال العام المنصرم، لا سيما في سوريا والعراق وليبيا واليمن.

وفي حين دعا زعيم "القاعدة" في الرسالة الأولى إلى "الوحدة" بوجه التحالف "الصليبي"، الذي يشن حرباً لمكافحة الإرهاب، بعد أن أكد عدم إعترافه بشرعية "الخلافة" التي أعلنها تنظيم "داعش" الإرهابي بزعامة ​أبو بكر البغدادي​، كان لافتاً الحديث عن المبادرة التي كانت قد أطلقت سابقاً من أجل إنهاء الإنقسام بين الكتائب والفصائل العاملة على الساحة السورية بشكل خاص.

في هذا السياق، تستغرب مصادر متابعة لعمل الجماعات المتطرفة نشر هذه السلسلة في الوقت الراهن، حيث لا يبدو أن هناك من أسباب منطقية لها، لا سيما أن الكشف عنها جاء بعد ما يقارب العام من تسجيلها، وتسأل: "هل هناك من أزمة داخل التنظيم الإرهابي الأول على مستوى العالم أم أن "القاعدة" لا تملك أي جديد تقدمه إلى أتباعها؟"، لتجيب: "في حقيقة الأمر يبدو الظواهري بعيداً عن واقع ما يجري على الأرض من أحداث".

من حيث المبدأ، تشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن المبادرة التي تحدث عنها زعيم "القاعدة" في رسالته الثانية لم تعد موجودة فعلياً، خصوصاً بعد أن تعمق الخلاف بين كل من "داعش" و"​جبهة النصرة​" على نحو لا يمكن معه العودة إلى الوراء، بل على العكس من ذلك فانّ الساحة السورية على موعد مع تحولات جديدة قد تكون أخطر من السابقة، حيث من المتوقع في أي لحظة الإعلان عن خلاف بين كل من "النصرة" و"​حركة أحرار الشام​"، بعد تحالف متين بينهما طوال الفترة السابقة، بسبب الموقف من المنطقة العازلة التي تنوي ​الحكومة التركية​ إقامتها داخل الأراضي السورية.

على الرغم من ذلك، تشير المصادر نفسها إلى ضرورة التركيز على بعض النقاط في رسالة الظواهري، التي لا تشمل فقط الحديث عن "إنتصار الإسلام المقبل"، بل تمتد إلى تحديد الأهداف المرجوة، من الحركات الإرهابية في الداخل والعناصر المتواجدين في الخارج، فـ"القاعدة" تعتبر أن المطلوب من الأولى عدم الصدام مع البيئات الحاضنة، من خلال عدم الذهاب إلى "تكفير عوام الأمة والبحث عن إخراجهم من الملة بأية شبهة"، بالإضافة إلى السعي إلى "إقامة خلافة راشدة على منهج النبوة"، مع تحديد معايير لها تتناقض مع تلك التي أعلنها "داعش"، عبر القول أنها "لا تسعى لإعادة الملك العضوض، الذي وصل للحكم عبر بحار من دماء المسلمين وتلال من جماجمهم وأشلائهم"، ومن المفترض أن تتناول الحلقة المقبلة من هذه السلسلة بعض المعالم الأساسية للخلافة التي يريدها الظواهري.

وفي حين تحدث زعيم "القاعدة" عن "حرب على الإسلام باسم الحرب على الإرهاب"، تلفت المصادر إلى عودته إلى نظرية "العدو البعيد" ، التي كان يقوم عليها تنظيمه من الأساس، والتي تنص على "ضرب الرأس"، أي الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، في حين سيكون سقوطه كفيلاً بسقوط "الأجنحة"، أي الأنظمة القائمة في البلدان العربية والإسلامية، والتي يطلق عليها عادة اسم "الطواغيت"، وتضيف: "الظواهري كان يريد من خلال الدعوة إلى شن هجمات في الغرب وقف الحرب التي تقوم بها الدول المشاركة في التحالف"، إلا أنها تعتبر أن الأمور ستكون على العكس من ذلك، حيث سيكون لها المبرر أمام الرأي العام الدولي من أجل تكثيف هجماتها، وهذا ما يحصل في الوقت الراهن من خلال الحماسة التي تبديها الدول الأوروبية.

إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر المتابعة لعمل الجماعات المتطرفة أن الهدف الأساس من نشر هذه الرسائل، التي تحمل تهديدات إلى الدول الغربية، هو تقديم المبررات لها من أجل الإنتقال إلى المواجهة الشاملة معها، أي عبر دفع الدول المترددة إلى الإنخراط في الحرب، في حين يجري التسويق على المستوى العالمي بأن معالجة أزمة اللاجئين الداهمة تتطلب إنهاء الأسباب المؤدية لها.

بانتظار الرسالة التالية، تجدر الإشارة إلى أن جبهة "النصرة"، الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، كانت قد رفضت مسبقاً، عبر بعض الشخصيات التابعة أو المؤدية لها، مبادرة "الوحدة" لمواجهة ​التحالف الدولي​، ما يعني أن السبب وراء النشر في الوقت الراهن هو تقديم المبررات لحرب طويلة في المنطقة، تحت عنوان: مكافحة الإرهاب.