تتوالى فصول الفتن الأميركية في العراق، وانتهاك السيادة بذرائع واهية عنوانها وجود عسكري مضمون، من خلال اتفاق بشأن عمل كمستشارين، بالتزامن مع ضغوط متعددة الجوانب على الحكومة العراقية للموافقة على ما ينفّذه الأميركيون من دون علم الحكومة أصلاً، وحتى إلزام رئيس الحكومة حيدر العبادي بمواقف لا علم له بها.

ثلاثة عناوين فتن أراد الأميركيون جني ثمارها منه معجّلاً، ومنها المؤجل على المستوى الاستراتيجي، والمؤجل ربما هو الأخطر، وتمثّل بتعيين رجل الولايات المتحدة الأخطر عماد خرسان، الذي جاء به الغزو الأميركي إلى بغداد عام 2003، وكان يعيش في الولايات المتحدة التي يحمل جنسيتها، وعمل لدى البنتاغون مستشاراً للشؤون العراقية، ونصّبه الأميركيون حينها رئيساً لإدارة "هيئة إعادة الإعمار"، وكان على ارتباط مباشر بالحاكم العسكري الأميركي الأول "جاي غارنر"، ومن ثم مع "بول بريمر".

تعيين خرسان هو أشبه بحصان طروادة داخل الحكومة، لا بل قد يصبح هو رئيس الحكومة الفعلي، بعد قبول العبادي تعيينه، واقتراب اتخاذ قرار تعيينه، رغم يقينه أن ذلك سيجعله مصنَّفاً ضمن الاصطفاف الأكثر ميلاً إلى الولايات المتحدة، وسط تسريبات من كتلة "دولة القانون" التي ينتمي إليها العبادي ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أن الأخير رفض طلب الأميركيين تعيين رجلهم خرسان أميناً عاماً لمجلس الوزراء، لأنه أدرك مبكراً الخطة الأميركية بإعادة الانقضاض على العراق وتعيين عماد خرسان رئيساَ للوزراء، وهذا الأمر بات حديث الشارع العراقي، على أنه سيكون رئيساً للوزراء بشكل محتوم بعد ترحيل العبادي عن الرئاسة.

علائم المخطط الجديد للعراق تبدو في تضييق حكومة العبادي على مكوّنات الحشد الشعبي، لا سيما "كتائب حزب الله"، التي يعتبرها الأميركيون الأشد عداوة لهم في العراق، فضلاً عن الشح المالي لفصائل المقاومة الإسلامية ككل، والتي تقاتل الإرهاب، بالتوازي مع تحرير منطقة بيجي والمصفاة النفطية، وقدرة الفصائل، خصوصاً "كتائب حزب الله"، أذهلت الأميركيين، بالقضاء على الإرهابيين وأخذ قادة من "داعش" أسرى اعترفوا بالتقديمات الأميركية للتنظيم الإرهابي ليس فقط على المستوى الإداري والتسليحي، بل أيضاً على مستوى العمليات، وإبلاغ قادة "داعش" عن المناطق المستهدَفة بالتحرير قبل وقوعه، لاتخاذ الحيطة القتالية أو الانسحاب.

العنوان الثاني الذي ابتلع العبادي الكلام الأميركي دون التعليق عليه، هو إعلان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة؛ الجنرال جوزيف دانفوورد، من أربيل أن الولايات المتحدة حصلت على تأكيدات من العبادي أن بغداد لن تطلب من روسيا شن ضربات جوية ضد "داعش" على الأراضي العراقية، رغم أن العبادي نفسه كان أعلن احتمال الطلب من روسيا المساهمة في مكافحة التنظيم الإرهابي، كما أن رئيس لجنة الدفاع والأمن في البرلمان العراقي حاكم الزاملي قال إن الأمر جرى بحثه، وهناك اتجاه لطلب مساعدة روسيا في ضرب إرهابيي "داعش"، سيما أن روسيا أثبتت أنها جادة في ضرب الإرهاب، فيما اتفقت كتل نيابية واسعة أن الروس يعملون بحسم أكبر من الأميركيين، وأن من الطبيعي طلب مساعدة موسكو.

الضغط الأميركي الذي يقارب الوقاحة والإهانة فسّره نواب بأن العبادي لم يعد حتى في المنطقة الرمادية بعدم ردّه على الجنرال دانفوورد لتبيان الحقيقة على الأقل، في وقت اعتبر نواب من التحالف الحاكم بزعامة العبادي أن الاخير تلقّى طلباً من التحالف نفسه لطلب العون الروسي، لكنه لم يرد بعد، مع الإشارة إلى أن حكومة العبادي أعربت مراراً عن خيبة أملها من أداء وفعالية الغارات التي يشنها التحالف الدولي بزعامة واشنطن تحت عنوان "مكافحة داعش".

العنوان الثالث تمثّل بقيام الولايات المتحدة بعملية إنزال في منطقة الحويجة، بدعوى تحرير سجناء كانت "داعش" تنوي إعدامهم، وعددهم 69 غالبيتهم من العرب، وبينهم 6 ينتمون إلى التنظيم، لشكوك بأنهم جواسيس، في وقت شككت قوى عراقية بالهدف، وأشارت إلى احتمال أن تكون استعادت جواسيس يعملون لمصلحة واشنطن والمخابرات "الإسرائيلية"، وتهريب قيادات من "داعش" تم كشف أمرها بعد اعترافات الأسرى من "داعش" عن التعاون مع الأميركيين على مستويات مختلفة.