من دون شك طبخة رئاسة الجمهورية عبر ترشيح النائب ​سليمان فرنجية​ كانت أميركية وهيأت لها منذ ما يزيد على الثلاثة أشهر عندما أدركت واشنطن أن التسوية السياسية هي المخرج للأزمة السورية. مع باريس اشتغلت واشنطن على الملف الرئاسي اللبناني حيث تكفّـلت العاصمة الفرنسية بإقناع الرياض بمرشح من "8 آذار". فواشنطن تريد عبر الرئاسة اللبنانية استباق الحل السياسي في سوريا على قاعدة أن لبنان هو حصة الإدارة الأميركية حيث كل القوى الإقليمية منهكة فيه بحكم أن واشنطن تدير الخلافات والتوازنات من ضمن حسابات أن أي جهة إقليمية لم تعد قادرة منفردة على الإستئثار بالوطن الصغير وغير قادرة على تجديد النظام السياسي بحكم الإستعصاءات التي خلقها نظام المحاصصة.

أما لماذا تريد واشنطن لبنان حصة لها، فذلك يعود إلى كونه الركيزة الأفضل للعاصمة الأميركية لإدارة توازنات المنطقة بعد أن مزقها "​الربيع العربي​" وبعد أن تحوَّلت إلى "ملعب دولي"، ما استتبع غياب أي لاعب عربي فاعل.

في الحسابات الأميركية، ستبقى المنطقة العربية منشغلة بمواجهة "داعش" للسنتين المقبلتين. وليس من قبيل الصدفة أن هنري كيسنجر يتنبأ بتقسيم العراق ومنح نصف سيناء للفلسطينيين في استقرائه لكيفية إعادة رسم خريطة المنطقة والخروج من "سايكس بيكو". فكيسنجر يرى أن الوجود الروسي العسكري والسياسي في سوريا أخرجها من معادلة الدويلات وحافظ على حدودها الجغرافية الطبيعية. وهذا يعني أن لا مستقبل للتنظيمات التكفيرية في سوريا للإحتفاظ بإمارات جغرافية.

ترشيح سليمان فرنجية أميركيًا غرضه خلط الأوراق على الساحة السياسية اللبنانية واختبار موقف مختلف الفرقاء. وهذا الإختبار كانت واشنطن قد جرَّبته في جلسة مجلس النواب للتشريعات المالية حيث لبى الدعوة مباشرة النائب سليمان فرنجية فيما في البداية اعترض كل من الجنرال ميشال عون والدكتور ​سمير جعجع​ لأسباب تتعلق بأولوية القانون الإنتخابي فيما جاء اعتراض حزب الكتائب لأولوية انتخاب رئيس. فالإدارة الأميركية أعلمت المرجعيات السياسية اللبنانية بأن عدم انعقاد الجلسة النيابية يستتبع تحويل لبنان إلى دولة فاشلة وإلى انهيار مالي واقتصادي.

ما يمكن استنتاجه من ذلك أن واشنطن قادرة على تسويق ترشيح النائب سليمان فرنجية إذا شاءت. ذلك أنها تملك من أوراق الضغوط ما يمكن أن يغيِّر في قناعات البعض من المعترضين. ولعل في "الثقة الرئاسية" التي أبداها سليمان فرنجية خلال مقابلة مع الـ (LBCI) ما يوحي بأنه واثق من الموقف الأميركي علما بأن فائض الثقة هذا ورَّطه في توسيع الشقة بينه وبين الجنرال ميشال عون خصوصا وأنه لم يكن بحاجة إلى ذلك وخصوصا أن فائض الثقة هذا يزيد من اللحمة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" ومن التمسك بترشيح الجنرال سيما وأن "مبادرة" رئيس "تيار المستقبل" ​سعد الحريري​ أثارت أسئلة حول توقيتها وخلفية ما تريده المملكة العربية السعودية. والأرجح أن ما سرَّبته مصادر سعودية عن ربط المملكة بين رئاسة فرنجية وما سمته "غروب الأسد" كما جاء ذلك في مقال تحليلي للكاتب السعودي خالد الدخيل الأرجح أن يثير ذلك حذرا وأسئلة لا يملك عليها أجوبة النائب سليمان فرنجية الصديق لسوريا... وكل ذلك يفترض أجوبة مطمئنة تعطيها واشنطن لدمشق حتى يتم الإفراج عن مرشحها الرئاسي وإلا سيكون خلط الأوراق اللبنانية أميركيا مدخلاً لتعطيل "التسوية الرئاسية اللبنانية".

تعطيل التسوية الرئاسية احتمال وارد. وبديله "لا رئاسة" أو في أحسن الأحوال تقطيع الوقت لفترة قد تطول نسبيًا باعتبار أن المرشحين الأربعة الأقوياء يكونون قد خرجوا من الحلبة. وفي هذه الحال يتركز العمل على أسماء رئاسية من خارج الأربعة ويملكون أوراق قوّة بمعايير جديدة. ورقة المؤسسة العسكرية والأمن للعماد جان قهوجي. ورقة الإقتصاد والمالية والليرة لحاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة. ورقة القانون لرئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد وورقة الوصل بين الفرقاء للوزير جان عبيد.

وفي كل الأحوال يبقى لبنان ركيزة أساسية لحسابات واشنطن في المنطقة.

* رئيس المجلس الوطني للإعلام