قد يصح القول أن علاقة رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري بوزير العدل المستقيل أشرف ريفي انتهت الى غير رجعة. كل شيء كان قابلا للترميم ولإعادة النظر فيه، حتى أتت الاطلالة التلفزيونية الأخيرة للواء ريفي لتضع حدًا لكل هذه الامكانيات، وتكسر الجرة مع الزعيم الشاب الذي لا يزال مستغربًا تصعيد مدير عام قوى الأمن الداخلي السابق بوجهه والذي لا يجد له المبررات اللازمة.
أسقط ريفي وعن سابق تصور وتصميم كل الرهانات على أنه سيتراجع عن استقالته بعد اصدار الحكم على الوزير السابق ميشال سماحة، متمسكا برفضه الجلوس مع "حزب الله" على طاولة واحدة واعطاء شرعية وغطاء للحكومة التي تعيش على الهواء الاصطناعي الذي يمدّها به الفرقاء السياسيون بضغط دولي. وبعكس ما قد يظن البعض، فالوزير المستقيل لم يقل كلمته ويمشي الى الاعتزال او العزل السياسي، لا بل أنّه قالها ليفتح صفحة جديدة من العمل السياسي خارج عباءة "المستقبل" ولا شك بغطاء ودعم سعودي يفتقدهما الحريري كثيًرا في الآونة الأخيرة.
ويبدو القرار السعودي واضحًا جدًا بكسر حلقة الأحادية السنيّة في لبنان، خاصة بعدما فشل الزعيم الشاب العائد الى بلده حديثًا بتحقيق أهداف الرياض ورؤيتها في الداخل اللبناني، فاذا بالقيادة السعودية تقرر العمل على تحقيق ذلك بنفسها من خلال مد اليد لكل الفرقاء السنة سواء انتموا الى "8 أو 14 آذار" سعيًا وراء وحدة الصف والموقف السني في التعامل مع القضايا ذات البُعد الاستراتيجي.
ولا شك ان ريفي هو الأقرب اليوم الى المملكة من أي شخصية سنية أخرى على الساحة اللبنانية، باعتبار أنّه أدق من يعبّر عن سياسة وموقف الرياض من الملفات اللبنانية، وخصوصًا من موضوع الحكومة التي لا تحبذ السعودية كثيرًا استمرارها. حتى موقفه من ترشيح تيار "المستقبل" لرئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، يعبّر عن الرؤية غير المعلنة للقيادة السعودية من التسوية التي طرحها الحريري قبل فترة وتقبّلتها الأخيرة على مضض.
وان كان وزير الداخلية نهاد المشنوق قد سجل نشوء الخلاف بين الحريري وريفي وتطوره، ومن ثم تقديم الأخير استقالته من الحكومة، على كونها نقاطاً تصبّ لصالحه وتقربه أكثر من أي وقت مضى من الانتصار السياسي على منافسه اللدود وزير العدل المستقيل، الا انّه ومع مرور الأيام واتضاح المشهد العام وخاصة لجهة تبيان عمق العلاقة بين ريفي والسعودية، انصرف المشنوق، المدعوم غربيا وخاصة من الولايات المتحدة الأميركية، ليعيد حساباته السياسية لادراكه أنّه غير قادر على منافسة ريفي أو غيره بموضوع الدعم الشعبي. وفي هذا الاطار، تقول مصادر معنية بأن المشنوق فشل فشلا مدويا بالتعاطي مع جماهير تيار "المستقبل" والقاعدة الشعبية السنية بشكل عام، ولعل المشهد الذي يظهر فيه وهو يتوجه لأحد الاشخاص قائلا: "مش عارف حالك مع مين عم تحكي"، انطبع في أذهان هذه القاعدة التي لم تجده يوما قريبا منها أو يحاكي هواجسها وهمومها، بعكس ريفي الذي لطالما اعتُبر وعومل على أساس أنّه زعيم طرابلسي قبل أن يكون بأي موقع آخر.
ومما سبق، يبدو واضحاً تمامًا ان المنافسة على رئاسة الحكومة المقبلة لم تعد محصورة بين ريفي والمشنوق ورئيس الحكومة الحالي تمام سلام والسابق نجيب ميقاتي ورئيس حزب "الاتحاد" الوزير السابق عبد الرحيم مراد، باعتبار ان الحريري قد يكون المنافس الأبرز حاليا نظرا لكونه لا ينفك يتطلع لاستعادة دوره السابق بعدما تأكد أنّ العودة الى السراي لن تكون بالمهمة السهلة. وحتى ولو كان يرفض بالعلن الحديث عن سلة حل متكاملة للأزمة السياسية المتفاقمة، فانّه يبدّي عودته لرئاسة أي حكومة مقبلة على ما عداها من ملفّات. فما كان يعتبره "تحصيلا حاصلا وحقا له"، بات اليوم بندا يُناقش على الطاولة حتى أنه قد تصح مقايضته برئاسة الجمهورية من دون تردد.