بصرف النظر عن النتائج التي ستترتب على عودة رئيس تيّار "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ قبل ايام عدة من موعد جلسة ​الانتخابات الرئاسية​ الـ45، وأخذ المبادرة بتحريك هذا الملف بشكل جدي ولافت، ترى مصادر سياسية ان على الكتل النيابية جميعا ان تتعامل مع هذا التطور بشكل إيجابي، وان تقتنع بلبننة الاستحقاق حتى ولو كانت هذه اللبننة ليست خالصة، لا سيما وأن الانتخابات الرئاسية في لبنان ومنذ الإستقلال وحتى اليوم لم يكن طابعها صنع في لبنان.

ولاحظت مصادر نيابية ان جدية تحرك الحريري لجهة سعيه الى إنهاء الفراغ الرئاسي ظهرت جليًّا، من خلال رسالتين: الاولى من بنشعي، والثانية من بيت الوسط، حيث عكستا عدم إصرار "المستقبل" على تبني ترشيح رئيس تيّار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​، وهذا يعني بأنها دعوة للبحث في شخصية او اسم آخر يكون مقبولا من الجميع.

ولاحظت المصادر نفسها انه وحتى هذه الساعة لم تفرز الاتصالات والمواقف العلنية اسم مرشح آخر، سواء من قبل الحريري، او من غيره من الكتل السياسية، لكن الإيحاءات تركّز بأن تراجع حظوظ النائب فرنجية، دفع باتجاه رئيس تكّتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون.

ولفتت المصادر نفسها الى ان تذليل العقبات التي تحول دون وصول هذا الزعيم الماروني الى قصر بعبدا ليس أمرا سهلا نظرا للاسباب التالية:

1- لا يوجد حتى هذه اللحظة اجماع مسيحي او اقله اكثرية مسيحية مطلقة الى جانب عون تسمح لأيّ كتلة وازنة وخاصة كتلة "المستقبل" للإعلان عن تبنّيها لهذا الترشيح.

2- لم يظهر بعد أيضا ان حليف الحليف اي رئيس المجلس النيابي نبيه بري مقتنع بخيار العماد ميشال عون اذا لم يكن مقرونا بسلة متكاملة، وهذا غير متوفر حتى الساعة.

3- يتردد في الأوساط السياسية ان جمهور سعد الحريري يحتاج الى جرعة اقناع شافية كي يهضم خيار عون رئيسا للجمهورية، وهذا يحتاج الى بعض الوقت لجعله ممكنا.

4- هناك حفلة مزايدات، والبحث في الفوائد التي يمكن ان يحصل عليها الافرقاء المعترضين وفي طليعة هؤلاء نبيه بري، اضافة الى اقناع سليمان فرنجية بالانسحاب، وهو المدعوم من رئيس المجلس النيابي والذي يحثّه على عدم الانسحاب.

وتقول المصادر انه اذا سلّمنا جدلا ان عناصر "اللبننة"، هذه قد تمت معالجتها، يبقى معرفة ما اذا كانت تتطابق مع العوامل الخارجية المؤثرة في هذا الاستحقاق، خصوصًا بعد ان حالت مواقف الكتل النيابية دون نجاح مساعي العواصم الغربية والإقليمية لإخراج لبنان من أزمته.

ولفتت المصادر انه في ظل كل هذه المعطيات هناك عامل الوقت المداهم، لأنّ أوساط الرابية تؤكد ضرورة ان تؤدي الديناميّة الحاصلة راهنا، الى تفاهم مقبول لانتخاب العماد عون خلال فترة زمنية مقبولة، وفي اجواء لا توحي بأن كل ما يحصل هو لتمرير الوقت وللحدّ من زخم التحضيرات التي بدأها التيار للتحرك في الشارع، لأنّه وفي غياب الإيجابيات فإنّه لا يمكن للرابية ان تعلّق أو تؤجل تحركها باتجاه الشارع، وهذا في حال حصوله ربما يقلب جميع المعادلات ويجهض كل المساعي الحثيثة التي انطلقت مع عودة الحريري الى لبنان.

وتخلص المصادر بالقول إلى أنّها توصّلت الى قناعة بأن التأجيل في بتّ الاستحقاق الرئاسي لم يعد ممكنا، وأصبحنا امام خيارين لا ثالث لهما: إمّا اقناع العماد ميشال عون بالانسحاب لمصلحة شخصيّة أخرى يكون له دور أساسي في اختيارها، وهذا امر صعب لدرجة الاستحالة، وإمّا التوافق معه على شروط مقبولة من الجميع لانتخابه رئيسا خلال الايام القليلة المقبلة، لتجنيب لبنان إمكانية إقحامه في لعبة الشوارع والتي لا مصلحة لأحد بالنتيجة للدخول فيها اليوم أو في أيّ وقت آخر، لأنّ لبنان بدأ يفقد مناعته السياسيّة والدستوريّة والاقتصاديّة والإجتماعيّة.