بين مجريات الأحداث المتسارعة الّتي حصلت منذ انتخاب رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة وحتى كتابة هذه السطور، بقي من استفاد خلال الحقبة الماضية من الفراغ الرئاسي وتهاوي المؤسّسات الدستورية ساعيا الى اعادة عقارب الساعة الى الوراء.

في هذا السياق وصفت مصادر سياسية بغير الواقعي ما يردّده البعض عن أن زيارة الامير خالد الفيصل للبنان لتهنئة الجنرال ميشال عون بانتخابه رئيسا للجمهورية هي بداية تحول في سياسة هذا الزعيم المسيحي، الذي اثبتت كل مواقفه السابقة انها حمت لبنان من تداعيات سلبية مما يجري في المنطقة.

وتقول المصادر ان المعلومات المتوفرة لديها تؤكد ان اللقاء بين الرئيس ميشال عون والضيف السعودي لم يدم اكثر من 25 دقيقة ولم يتم التطرق خلاله الى أيّ ملفات سياسية او استراتيجية، بل اقتصرت المقابلة على نوع من الوجدانيات سرد فيها الامير ذكريات الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في لبنان ومحبته لهذا البلد وشعبه، كما شدد رئيس الجمهورية على ان لبنان وشعبه يكنّان كل المحبة والاحترام للمملكة وللشعب السعودي، وسيعمل على إقامة افضل العلاقات مع الدول العربية وخصوصًا دول الخليج العربي الذي يحتضن آلاف اللبنانيين، اضافة الى التهنئة وتسليم دعوة لزيارة المملكة، والتي كان سبقها اول دعوة شفهية وجهت للرئيس لزيارة دولة اخرى من العاهل السعودي لدى اتصاله بعون للتهنئة، ووعد رئيس الجمهورية بتلبيتها فور تشكيل الحكومة وأنها ستكون اول زيارة له لبلد عربي.

وكان رئيس الجمهورية قد تلقى دعوة لزيارة كل من ايران وسوريا ودعوات اخرى من دول أوروبية وخليجية. واشارت المصادر في هذا السياق الى انه جرت العادة بأن تكون الزيارة الاولى لأي رئيس جديد للجمهورية لفرنسا، وهذا ما سيحصل.

وسألت المصادر كيف يمكن لأي طرف سياسي ان يستنتج بأن الدعوة السعودية للرئيس ميشال عون والوعد بتلبيتها تحمل في طيّاتها مؤشرات بأنها ستجعل لبنان في فلك الصراع القائم بين ايران والرياض، وقد سبقتها دعوة سعودية لرئيس المجلس النيابي نبيه بري لزيارة المملكة ولم يتم تحميلها ما تحمل دعوة عون؟

وتتابع المصادر، "هذا في الشكل، اما في المضمون فإنّ تسرع البعض بطرح هواجس من هذا النوع يحمل في طياته مغالطة تطغى عليها نوايا سيّئة بهدف وضع اسفين في العلاقات بين بعبدا والضاحية الجنوبية".

وتعتقد المصادر ان التفاهم بين "​القوات اللبنانية​" والتيار "الوطني الحر" سيكون عاملا أساسيا للتقارب بين جميع المكوّنات اللبنانية، ولن يجعل لبنان مائلا الى أيّ محور إقليمي، كما انه من المنتظر ان يلعب دورا في تضييق مساحات الخلاف بين الدول العربية التي تمر في مراحل صعبة، كما لعب التحالف بين "حزب الله" والتيار "الوطني الحر" في تثبيت التوازن بين اللبنانيين خلال السنوات الماضية.

وتنطلق المصادر من تصوّرها لهذا الدور من حقيقة راسخة وهي ان لبنان الرسمي لا يمكن ان يؤثر على مجريات العلاقات المتوترة بين الدول العربية، وخصوصًا دول الخليج وإيران، نظرا لضعف إمكانياته السياسيّة والاقتصاديّة وحتى العسكريّة، لا سيّما وان فريقًا لبنانيًّا أساسيًّا وهو حزب الله، والذي تعرض لحملات وضغوطات من قبل مكونات محلية على مر السنين الماضية، استمر ونجح حتى اليوم، في ان يكون رقما صعبا حيال كل ما يدور في المنطقة والعالم، وان ​الانتخابات الرئاسية​ التي أدّت الى استعادة هذا البلد عافيته الدستورية والقانونية، سيبقى دورها في اطار ترتيب الوضع الداخلي، وعدم اقحام لبنان بكل ما يجري في المنطقة، ابتداء من سوريا مرورا بالعراق وصولا الى اليمن.

ونصحت المصادر نفسها بعض الذين يعتقدون انهم خسروا معركة الانتخابات الرئاسية، ألاّ يحاولوا استثمار خساراتهم وتصور ما حصل بأنه سيأخذ لبنان الى مكان آخر، بل عليهم ان يقتنعوا بالواقع الجديد الذي فرضته هذه الانتخابات من تبدل في المواقف، مع ما يعني ذلك من قواعد جديدة في إدارة البلاد تؤمن الشراكة الحقيقيّة، والميثاقيّة والتمثيل الصحيح لجميع المكونات السياسيّة، وان كان ذلك ربما يؤدّي الى تحجيم مكتسبات خاصة حقّقوها منذ اتفاق الطائف حتى يومنا هذا.