بعد أيام من الأخذ والرد، أعلنت قيادة عملية "​درع الفرات​" التحرك رسمياً نحو ​مدينة الباب​ في ​ريف حلب​ الشرقي، في حين كانت الحكومة السوريّة قد حذرت من مثل هذه الخطوة، وأعلنت ​الولايات المتحدة​ أن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب لا يؤمّن الغطاء الجوّي لها، لتفتح حولها حملة واسعة من التساؤلات، حول إمكانية أن تكون تركيا أقدمت على هذا التحدي من دون الحصول على ضوء أخضر روسي، أو على الأقل الموافقة على "غضّ النظر" عنه، في تكرار لما حصل عند دخول فصائل المعارضة المدعومة من قبلها إلى مدينة جرابلس سابقاً.

من حيث المبدأ، هذه المدينة الإستراتيجية كانت موضع تنازل بين 3 قوى أساسية: قوات "سوريا الديمقراطية"، ​الجيش السوري​، عناصر "درع الفرات". إلا أن الأولى كانت قد أعلنت، قبل أيام، على لسان المتحدث الرسمي باسمها طلال سلو أنها لن تتدخل في معركة السيطرة على الباب، موضحة أن مجلس الباب العسكري هو الذي سيقودها، لكن هذا الأخير ليس إلا واجهة لهذه القوات، إلا أن المفارقة هي بأن "سوريا الديمقراطية" لم تحصل على الدعم الأميركي لتأمين الغطاء الجوي لمثل هذه العملية، في حين أن الحديث لم يتوقف عن أن الباب ستكون موضع تسوية بين أنقرة وموسكو، مقابل تأمين سيطرة الجيش السوري على أحياء حلب الشرقية.

في هذا السياق، كان من اللافت أن الحكومة التركية هي من قادت المفاوضات بين روسيا وبعض فصائل المعارضة السورية، كما أنها أعلنت مراراً في الأيام الأخيرة أنها تنسق مواقفها من الأزمة السورية مع موسكو، بالتزامن مع صمتها حول العمليات العسكرية في حلب، في مؤشر إلى أنها لن تعرقل الأهداف الروسيّة منها، إلا أنها بالطبع كانت تنتظر الثمن الذي سيدفع في المقابل، بالرغم من أن قواتها كانت تعرّضت لغارة جويّة قالت أن طائرات سورية نفذتها بالقرب من الباب.

إنطلاقاً من هذه المعطيات، يبدو الدخول التركي إلى الباب، من دون الحصول على الضوء الأخضر الروسي، أمامه جملة من المخاطر، لناحية إمكانية الصدام مع دمشق التي أعلنت في أكثر من مناسبة عدم موافقتها على عملية "درع الفرات" حتى ولو كانت تحمل شعار "الحرب على الإرهاب"، ما يعني تصعيد الأزمة السوريّة على نحو غير مسبوق، الذي على ما يبدو لا تريده أي من القوى الثلاث حتى الآن، أي روسيا وتركيا وسوريا، لا سيما أن حبر الإتفاقات الأخيرة بين موسكو وأنقرة لم يجف بعد.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل موقف قوات "سوريا الديمقراطية"، التي تعتبر قوات "حماية الشعب الكردي" عمودها الفقري، فهي تدرك جيداً أن العملية التركية هدفها الأساسي منعها من تحقيق حلمها في وصل الكونتونات الكردية الثلاث لا محاربة عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، الأمر الذي يرفع من إحتمال وقوع الصدام بين الجانبين، إلا إذا نجحت الولايات المتحدة في رعاية إتفاق غير مباشر بين حلفائها، نظراً إلى أن إقتتالهما سيعقد المسألة وسيضر في مصالحها، فهو سيدفع الأكراد إلى ترك عملية عزل مدينة الرقة، من خلال العمليات العسكرية في ريفها الشمالي، والعودة إلى مناطق غرب الفرات لمحاربة الفصائل المدعومة من أنقرة، مع العلم أن قيادة "درع الفرات" عمدت إلى رفع سقفها عبر الحديث عن أنها لن تكتفي بالسيطرة على الباب، بل ستعمل على طرد "سوريا الديمقراطية" من مدينة منبج وان ريف الرقة سيكون هدفاً أيضاً، بالإضافة إلى عدم إستبعادها الصدام مع الجيش السوري في المرحلة اللاحقة.

من حيث المبدأ، لا تبدو الحكومة التركية قادرة على تغطية صدام عملية عسكرية مدعومة مباشرة من قبلها مع الجيش السوري، خصوصاً بعد أن إضطرت، في الأيام الأخيرة، إلى توضيح موقف الرئيس رجب طيب أردوغان من الرئيس بشار الأسد بشكل علني نتيجة الضغط الروسي، وبالتالي يكون الحديث عن صدام محتمل بين الجانبين أمر مستبعد في الوقت الراهن، لكن وصول الفصائل المدعومة من جانبها إلى الباب، في حال نجحت في طرد "داعش" منها، أو إنتقالها إلى منبج، سيضعها أمام إحتمال الصدام مع "سوريا الديمقراطية"، وهو ما سيصبّ في مصلحة دمشق، بطريقة أو بأخرى، نظراً إلى أنه سيستنزف الجانبين معاً، لكن هل ستقبل الولايات المتحدة بهذا الأمر؟

في المحصلة، مسار الأحداث السورية الأخير يؤكد أن تركيّا لم تكن لتدخل الباب لولا وجود ضوء أخضر روسي، لكن الأيام المقبلة ستكشف عما إذا كانت الحكومة السوريّة ستعمد إلى التصعيد أم تلتزم غض الطرف، كما أنها ستظهر مدى قدرة الولايات المتحدة على منع الصدام بين حلفائها.