لم يعد بالإمكان الإكتفاء بأصابع اليد لعدّ اتفاقات الهدنة في سوريا منذ عامين حتى اليوم، فرغم عدم "نجاح" تلك الإتفاقات التي عادة ما تكون أميركية-روسية، استمرت عمليات ولادتها بعد كل تقدم "كبير" للقوات السوريّة وحلفائها، مما أفسح المجال أمام المسلّحين بإعادة تجميع صفوفهم، ومهاجمة ​الجيش السوري​ وحزب الله.

تشير مصادر مطّلعة على الوضع في سوريا الى أن اتفاقيات الهدنة في سوريا تساهم بتحسين وضع المسلحين، مذكرة بما حصل في حزيران الماضي عندما دفع حزب الله ضريبتها بعد هجوم مباغت للارهابيين في بلدة خلصة، فسقط له عددا من المقاتلين. وتضيف المصادر عبر "النشرة": "كذلك دفع الجيش السوري والحزب "كلفة" الهدنة في حلب في ايلول 2016 عندما ضربت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، الجيش السوري فقتلت ما يقارب المئة جندي منه، اضافة الى سقوط طريق "الكاستيلو" مجددا في يد المسلحين وبُذلت "الدماء" لأجل استعادته"، لافتة النظر الى أن هذه التجارب أظهرت وكأن الاميركي يفرض الهدنة في كل مرة لتعديل مسار الأمور في سوريا ومنع السقوط الكلّي للمناطق السورية.

تستعين المصادر بتصريحات وزارة الخارجية الروسيّة لتثبيت رأيها، فالمتحدثة بإسم الخارجية ماريا زاخاروفا إعترفت في تصريح لها في 3 تشرين الثاني الماضي أن "الإرهابيين في سوريا يستغلّون الهدنة الانسانية في حلب لاعادة تجميع قواتهم". ولا تكتفي المصادر بالتصريحات الروسية بل تذكر بتصريح للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في 24 حزيران 2016 عندما قال: "تم تحقيق انجازات ضخمة في حلب لدرجة ان المحور الآخر كاد ان ينهار ولذلك تدخلت واشنطن وطلبت الهدنة لتعمل على اعادة دعم المجموعات الارهابية"، مشيرة الى أن حزب الله والقيادة السورية ارادا للروسي أن يلمس "التلاعب" الاميركي وقد لمسه بعد انهيار الهدنة آنذاك".

في المقابل يدعو الأستاذ في القانون الدولي والخبير في الشؤون السورية حسن جوني للنظر الى الأمور بالمنظار الاستراتيجي الواسع، معتبرا أن المواجهة تتطلب وعيا كاملا من الجهات كافة، وأن تتم قراءة الامور بنظرة شاملة. ويضيف في حديث لـ"النشرة": "لا شك أن التفاوض بين الأميركي والروسي لا يتم كما يظن البعض حول الملفّ السوري وحسب، بل حول ملفّات عديدة تتعلق بالامن والسلم الدوليين بظل وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض وصعود نجم اليمين المتطرف في اوروبا، ما يعني وجود ضغط أميركي على ​روسيا​ قد لا يظهر للعلن، وهو ما يُلزم الروس بقبول الهدنة في سوريا"، مشيرا في الوقت نفسه الى ان الروسي عندما يفاوض الأميركي فإنه يكون على تنسيق كامل وشامل مع القيادة السورية، لافتا النظر الى ان "الحكومة السوريّة قد تلجأ أحيانا لهدنة ما ولا تكون نتائجها المباشرة ايجابية عليها، بل تفرضها ظروفا معيّنة في أوقات معيّنة".

ويشدد جوني على أن "التشكيك بالعلاقة بين المسؤولين الروس والقيادة السورية لا يخدم سوريا بل الدواعش"، مشيرا الى ان التحالف بين الدولتين لم يعد بحاجة الى دليل، وهو أوصل الى نتائج وانتصارات مهمة في الأشهر الماضية. ويضيف: "من يريد التشكيك فليشكك بعلاقة تركيا والولايات المتحدة الأميركية مع داعش".

يجزم جوني أن الروسي عندما يفاوض يأخذ بعين الاعتبار دور القيادة السورية وموقفها وموقف حزب الله وايران، داعيا للتطلع الى المعركة الكبرى التي تدور اليوم في العالم بين روسيا والولايات المتحدة واوروبا، مشيرا الى أن استخدام روسيا لحق النقض الفيتو في مجلس الامن بوجه كل مشروع قرار لا يلبي طموحات القيادة السورية هو خير دليل على قوّة التحالف بين البلدين. من جهتها تؤكد المصادر أن ما يجري في سوريا من اتفاقات أميركية-روسية فاشلة تعزّز دور الارهابيين، وتدخلات اسرائيلية جويّة دون رادع، وتقدمات داعشية برية، وانصاف حلول تنقل الارهابيين من منطقة الى اخرى، يرفع منسوب القلق ويجعل من طرح الأسئلة حول الأهداف الحقيقية لأي هدنة امرا مشروعا.

اذا ما بين نظرية ترى أن "الهدنة" تمنح الارهابيين القوة وتكبح انتصار الجيش السوري وحلفاءه، وأخرى ترفض الأولى وتدعو للنظر "بعيدا" لمحاولة فهم طبيعة "المعركة العالميّة" اليوم، ستكون الأيام والأسابيع المقبلة فاصلة لإظهار أرجحية احدى هاتين النظريتين.