انقضت على ما يبدو فترة السماح ل​لبنان​ بأن يعيش فترة من الهدوء والانتعاش السياسي والامني الاقتصادي، بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة في وقت سريع. وقد اطلّت المتاعب براسها من البوابة نفسها التي كان من المفترض انها اغلقت، لان "الفورة" التي شهدها لبنان في اليومين الاخيرين تناولت الموقف الخليجي والعالمي من لبنان. تياران تنازعا الساحة: الاول يشير الى ان الموقف الدولي والخليجي من لبنان بات يتجه الى الابتعاد عن الموقف الرسمي الذي اطلقه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والثاني يلفت الى ان شيئاً لم يتغيّر في العلاقات والتعاطي مع لبنان وان الامور تسير على ما يرام والحملة مغرضة بهدف افشال العهد.

كل من التيارين يدعم اقواله باثباتات وقرائن يجدها كافية للاقناع، ولكن تبقى الامور في القضايا الملموسة، والاختبار الاول في هذا الشأن سيكون القمّة العربية التي تعقد في الاردن اواخر الشهر الحالي، والتي سيشارك فيها لبنان عبر وفد يضم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في آن معاً. ووفق ما يتم طرحه اعلامياً حول المواقف من لبنان، فإن القمة ستشهد احتمالين لا ثالث لهما: اما اندماج لبنان بشكل طبيعي وسلس وقيامه بالدور المتوقع منه لجهة تمرير الامور دون اثارة حساسية احد، او التفاعل السلبي معه من قبل الدول الباقية بحيث تصبح اسس انعقاد القمة مهددة ويجد لبنان نفسه معزولاً عن الدول الاخرى واقرب الى الوضع السوري في ​الجامعة العربية​...

ولكن ما الذي بامكانه فعلاً تحويل لبنان من دولة مرضي عنها الى دولة منبوذة بين ليلة وضحاها؟ الجواب هو ​ايران​، الا ان هذا الجواب يبقى ناقصاً. فالدول الخليجية لا تقاطع كلها ايران، والفترة الحالية اقل حدّة من الفترة السابقة التي وصلت فيها الامور مع طهران الى حدٍّ غير مسبوق من تبادل الاتهامات والقلق على المصير. اما سلاح حزب الله والدفاع عنه، فلم يتغيّر موقف الرئيس ميشال عون منه بشكل دراماتيكي سلباً ام ايجاباً، بل بقي على حاله، والحق يقال ان احداً لم يتوقع ان يتغيّر هذا الموقف مع وصول عون الى بعبدا، تماماً كما لم يتغيّر موقف سعد الحريري من الموضوع بعد وصوله الى السراي. اضافة الى ذلك، لا يمكن توقع ان يكون هذا الامر مصدر خلاف جذري بين لبنان وباقي الدول العربية، لان سلاح الحزب وتواجده في سوريا لم يعد له الوقع الذي تمتع به في الفترة الاولى للحرب الدائرة هناك، حيث أثّر بشكل مباشر وقوي في ميزان هذه الحرب ونتائجها، فيما اليوم خفّت حدة هذا التأثير بفضل تواجد القوات العسكرية الروسية والتركية على الاراضي السورية. كما لا يمكن تخيّل انضمام الحريري الى وفد سيجد نفسه عرضة للاتهام من قبل السعودية او غيرها من الدول العربية، بالتنسيق مع ايران!

نقطة اخرى يجدر التوقف عندها وهي ان مواقف الدول الخليجية لم تشر بعد الى توجه نحو "معاقبة" لبنان، فالسعودية لم تصدر اي موقف او اي تلميح يشير الى انزعاجها من المواقف الاخيرة، وهي ماضية في قرار تعيين سفير لها في بيروت، اما الكويت فالعلاقة معها لم تمر بأي ازمة تذكر، وقطر مستمرة على طبيعتها بدليل وصول وزير الطاقة السابق عبد الله بن حمد العطية الى بيروت وزيارته المسؤولين اللبنانيين بشكل عادي، اما سلطنة عمان فمعروف عنها سياستها المبسطة مع الجميع. وتملك البحرين ما يدفعها الى التغريد خارج هذا السرب باتهامها حزب الله العمل على اراضيها، ولكنها مع ذلك لم تثر الموضوع ولا اصدرت بيانات تصعيدية، بما يعني ان لا جوّ يؤشر الى اتخاذ دول الخليج خصوصاً والعربية عموماً موقفاً سلبياً من لبنان.

وتبقى الامور في خواتيمها، والقمة العربية لناظرها قريب، وسيصيب حتماً مؤيدو احد التيارين المتناقضين، فإما يكون لبنان ضيفاً عادياً على القمة كغيره من الدول، واما يصبح في صلب مواضيعها ويجد نفسه في قفص الاتهام، بما قد يهدد اعمال القمة ونجاحها.