منذ وصول الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ الى البيت الأبيض تبدّلت التصرفات العسكرية الاميركية حول سوريا. قد لا يكون الامر مرتبطاً فقط بأولويات ترامب، فالأوروبيون ايضاً غيّروا من تكتيكاتهم واستراتيجيتهم في الساحات المشتعلة. السبب هو القلق من الارهاب، وتزايد الحاجة الى محاربته ومنع انتقاله الى الدول الغربيّة. يستند التغيير في التعاطي، اساساً الى حوادث فرنسا وبلجيكا التي هزّت عواصم أوروبية، بعدما تبيّن ان الإرهابيين شاركوا في الحرب السورية ضد دمشق، وان العقول المدبرة التي تخطط لهجمات في الغرب موجودة في صفوف المجموعات الإرهابية في سوريا.

لم يخف ترامب يوماً توجهاته لمحاربة الارهاب. مشروعه الانتخابي استند الى ذاك التوجه. تثبت الايام ان تنسيقاً بين ترامب وموسكو تمّ حول محاربة "داعش". ما يجري اليوم من تعاون بينهما رغم كل التباينات الشكلية حول سوريا، هو دليل واضح على الالتزام الاميركي بتنفيذ تعهدات ترامب. لا تقتصر القضية على الساحة العراقية. سوريا هي في صلب المعادلة. لقد سبق الاجتماع العسكري الثلاثي في أنطاليا التركية بين الروس والأميركيين والاتراك مشاركة غير مباشرة للقوات الاميركية في عمليات عسكرية في سوريا ضد الارهاب. التعاون قائم والتنسيق يزداد بين الروس والأميركيين، بصورة تتخطى بكثير حدود التعاون الاميركي-الإيراني في العراق.

اجتماع انطاليا اظهر للعالم وجود تنسيق بين واشنطن وأنقره وموسكو حول سوريا لا يقتصر فقط حول الحدود الشمالية او الشرقية. تركيا لا تريد كيانا كردياً، وهي أعلنت عن استعدادها لمؤازرة ​الجيش السوري​ في تولي امر المناطق الحدودية. وجود الجيش يجهض فكرة الحكم الذاتي الكردي. الأميركيون لا يمانعون خطوات الجيش السوري بالتقدم ومؤازرته لو تطلّب الامر، لكنهم يريدون ضمان خصوصية كردية وعدم العودة الى ما قبل عام 2011. هنا تُظهر دمشق مرونة بالاعتراف ب"حقوق الكرد" ثقافياً واجتماعياً، في إطار الرد على تصرفات تركيا ازاء الازمة السورية منذ اشتعالها. كما يهم السوريين الاستفادة من خبرات الكرد العسكرية وعديد قواتهم وعقيدتهم القتالية الشرسة ضد "داعش" و الأتراك.

روسيا​ تمثّل وجهة النظر السورية التي تطالب بوحدة أراضي الجمهورية، والانفتاح على اي حوار او تسويات.

يردد مطلّعون ومواكبون لتطورات الساحة السورية ان الأميركيين جديون في المضي بفتح صفحات جديدة ازاء سوريا، ومؤازرة كل عملية عسكرية تُخاض ضد "داعش" او ورثة "القاعدة". اساساً الطائرات الاميركية تتصيّد رؤوس الارهاب، كما جرى في إدلب. لكن هل يصل الامر الى حد تنظيم حملة عسكرية مشتركة بين الروس والأميركيين والاتراك والسوريين لإقتلاع "داعش" من الرقة؟ هذا ما تمّ طرحه في اجتماع أنطاليا. القرارات العسكرية سرية، لكن مصادر متابعة أكدت ان عمليات مشتركة يجري الإعداد لها لخوض معارك ضد الاٍرهاب.

اولوية السوريين بعد منبج ضبط الحدود مع تركيا، هنا ستكون القوات الاميركية جاهزة للمؤازرة. بعدها لا يبدو ان الرقة فقط هي الثانية. بالنسبة لدمشق وحلفائها فإن الآوان آن لضبط الحدود الجنوبية مع الاردن، وفتح المعابر الشرعية بين البلدين لإعادة خطوط التصدير والاستيراد والترانزيت. للمملكة الهاشمية مصلحة، وبذات الوقت لديها قدرة الآن على ضرب المتطرفين الخطرين على امن الاردن ايضا. فتح الجبهة الجنوبية يثير قلق الإسرائيليين، ولذلك تأتي زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الى موسكو للطلب من الروس عدم السماح بوصول الإيرانيين وحزب الله الى الحدود الجنوبية السوريّة، والاكتفاء بقوة سوريّة وروسيّة.

قد تشهد الأسابيع المقبلة مشاركة اميركيّة عسكرية دعماً علنياً للجيش السوري. السيارات العسكرية الاميركية التي وصلت الى منبج دليل على الدخول المباشر في الحرب. لكن هذه المرة ستكون واشنطن مع دمشق لا ضدها.

محاربة الاٍرهاب فرضت متغيرات، اساسها الإنجازات العسكرية السورية، واحتضار "داعش" الذي يبحث مقاتلوه عن ملاذات آمنة في الصحراء هربا من الموصل في العراق. السعودية قلقة من تسرب محتمل لعناصر "داعش" عبر الصحراء الى أراضيها. هذا ما بحثه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في زيارته لبغداد.

المشهد يتغير بسرعة تفوق ميدانياً ما يجري في المفاوضات. قد تشهد الأشهر القليلة المقبلة محطات مفصلية في سوريا، اساسها إنجازات عسكرية ميدانية، جرّت خلفها تعاونا بين خصوم الامس.