لا تزال الكثير من الأسئلة تطرح حول الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى تفجير الأوضاع في الغوطة الشرقية، بين كل من "​جيش الإسلام​" وهيئة "تحرير الشام"، قبل أيام قليلة من إنعقاد مؤتمر الآستانة، وبالتزامن مع المقترحات الأميركية والروسية لإنشاء مناطق آمنة في الداخل السوري، تكون موازية لتكثيف الحرب على كل من جبهة "النصرة" وتنظيم "داعش" تحت عنوان الحرب على الإرهاب.

من حيث المبدأ، هذه المقترحات تنص بشكل مباشر أو غير مباشر على تجميد القتال بين كافة القوى التي من الممكن أن تشارك في المفاوضات السياسيّة، أي أن تكون شريكة في حلٍّ سلمي من الممكن الوصول إليه في المستقبل، لكنها في المقابل تعلن إنتهاء الرهان على ورقة التنظيمات الإرهابية، التي بات من الضروري توجيه بوصلة الحرب نحوها في الفترة المقبلة، ما يعني أن على القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة السورية إعادة ترتيب أوراق قوتها.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى لائحة "مناطق تخفيف التصعيد" التي تقدمت بها ​روسيا​ بشكل غير رسمي في الأيام الماضية، وتلفت إلى أنها تشمل، إدلب وريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية والجنوب السوري، وترى أن هذا هو السبب الرئيسي في إندلاع الإشتباكات بين "جيش الإسلام" و"تحرير الشام"، نظراً إلى أن "الجيش"، الذي يسعى إلى تقديم نفسه كفصيل "معتدل" يشارك في محادثات الآستانة، يدرك جيداً أن التوافق على الإقتراح المقدم من موسكو، والذي يراعي إلى حد بعيد مطالب واشنطن الأساسية التي تسعى إلى إقامة مناطق آمنة في سوريا، يعني أنه سيكون من واجبه المشاركة في قتال الهيئة بسبب تصنيفها منظمة إرهابية من المفترض توجيه الجهود نحو القضاء عليها.

من وجهة نظر هذه المصادر، يشير ما تقدم إلى أن المواجهات التي تشهدها الغوطة الشرقية قد تنتقل إلى مناطق أخرى في وقت قريب، حيث سيكون على كافة الفصائل التي تريد أن تحجز موقعاً لها في المفاوضات السياسيّة ليس فقط الإعلان عن الإبتعاد عن "تحرير الشام" أو "فك الإرتباط" معها بل أيضاً الإستعداد للمشاركة في الحرب عليها، وتوضح أن هذا الأمر سيقود حتماً إلى إنقسام حادّ في صفوف المعارضة، بدأت ملامحه بالظهور تباعاً عبر إعلان بعض القوى المشاركة في عملية "درع الفرات"، المدعومة من الحكومة التركية، تضامنها مع "جيش الإسلام"، المدعوم من الحكومة السعودية، في وجه "تحرير الشام"، وتضيف: "هناك معلومات عن أن تلك القوى هي في طور التحضير لعملية ضد عناصر "النصرة" في إدلب لضمان بقاء هذه المنطقة خارج سيطرة الجيش السوري".

على هذا الصعيد، تطرح المصادر نفسها علامات استفهام حول الموقف الذي عبرت عنه بعض الفصائل المنضوية في "درع الفرات"، لناحية التضامن مع "جيش الإسلام" المدعوم من الرياض، خصوصاً أنه في السنوات الأخيرة كان يتم الربط دائماً بين "تحرير الشام" والحكومة القطرية، بينما أن تلك الفصائل مدعومة من أنقرة التي تعتبر الحليف الأساسي للدوحة، لكنها تجزم بأن هذا الأمر لا يعني بأي شكل من الأشكال الإنفصال أو الطلاق بين الجانبين، خصوصاً أن العلاقة بينهما تكتسب أبعادا لا تتوقف عند المصالح المرحلية فقط، إلا أنها تشدد على أن الحكومة التركية، التي باتت تطرح نفسها أمام واشنطن وموسكو كبديل عن قوات "سوريا الديمقراطية" في الحرب على الإرهاب، لا يمكن لها أن تؤمن أي غطاء لفصيل "مشبوه"، لا سيما بعد فشل كل محاولات "تلميع" صورة "النصرة" في الأوساط الدولية والإقليمية.

في سياق متصل، تشير المصادر إلى الدعوة التي وجهتها حركة "أحرار الشام" إلى "جيش الإسلام" لإيقاف هجومه في الغوطة الشرقية، واصفةً ما يجري حاليًا بأنه "مسلسل بغي دام"، بالرغم من الخلافات التي تطبع علاقاتها مع "تحرير الشام" منذ لحظة الإعلان عن ولادة الأخيرة، وتلفت إلى أن الحركة في الأصل لا تزال تقف في موقع الوسط، فهي من ناحية رفضت الإندماج مع الهيئة ومن ناحية أخرى رفضت الذهاب إلى الأستانة، إلا أن هذا لا يلغي دورها في "درع الفرات"، وتؤكد بأن موقف الحركة سيكون أساسي في حال إنتقال الصراع إلى إدلب، لا سيما أن أغلب الفصائل التي تعرضت في وقت سابق إلى هجوم من "تحرير الشام" لجأت إليها من أجل حماية نفسها.

في المحصلة، يبدو أن الصراع بين فصائل المعارضة السورية مرشح إلى الإشتداد، في المرحلة المقبلة، في حال تقدم أي مفاوضات سياسية بين القوى الكبرى، وبالتالي ما يحصل في الغوطة الشرقية ربما ليس إلا المقدمة لما هو أكبر منذ ذلك.