يدعو الى كثير من التساؤل أن تكون دولة معروفة بقدراتها الأمنية والعسكرية، مثل مصر، عاجزة عن حماية شريحة كبيرة من شعبها يقدر عديدها، في أضعف الحالات، بعشرة ملايين نسمة...

ويكاد لا يمر أسبوع، أو شهر، من دون استهداف المصريين الأقباط بأعمال إرهابية، حتى بات الأمر شبه مستساغ، أو يمرّ وكأنه حال «طبيعية»... وكأنّ هذا الشعب الذي هو أساس مصر، محكوم (كلّه) بالإعدام...

لماذا؟

ولأي ذنب؟

فقط لأنه مسيحي. وفقط لأنه ملتزم بانتمائه الى مصر العظيمة، مصر التاريخ العريق، والحضارة العريقة... مصر «الدولة»: إذ قلّما أمكن تصنيف أي بلد عربي بأنه دولة كاملة الأوصاف باستثناء مصر.

والإرهابيون في مصر أساءوا، فعلاً، الى الأقباط، وأنزلوا فيهم مذبحة جديدة حتى ليتعذر تعداد المذابح التي تطاولهم عبر الأجيال والعقود من دون توقف. ولكنهم أساءوا أولاً وأخيراً الى شعب مصر العظيم، الى مسلمي مصر الذين عاشوا واخوانهم المصريين الأقباط وحدة وطنية مستدامة، عجز الإرهابيون عن ضربها وفصم عراها، كائناً ما كانت أسماء هؤلاء الإرهابيين الذين يبدلون التسمية ولكنهم يبقون إياهم: يبقون إرهابيين، يسيئون الى الدين الحنيف لأنهم يتخذونه، زوراً وبهتاناً، ستاراً لأعمالهم الإرهابية المرفوضة.

فلم تجفّ، بعد، دماء الهجومين الإرهابيين على الكنيستين القبطيتين حتى بادر الإرهابيون الى جريمتهم المروّعة أمس، والتي يبدو، أنها جاءت في توقيت مدروس:

فهي، أولاً، حدثت عشية بدء الصوم في شهر رمضان المبارك لتتناقض مع كل ما يحمل هذا الشهر الفضيل من المعاني الروحية والقيم والأخلاق والمبرّات ومكارم الأخلاق.

وهي، ثانياً، جاءت بمثابة الرد على الزيارة التاريخية التي قام بها الى مصر قداسة البابا فرنسيس الأول، وما حملته من أبعاد وأهداف ورسائل المحبة والرحمة والتواصل والعيش المشترك الذي كان سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان قد إختاره أمس، عنواناً عريضاً لرسالة رمضان.

وهي، ثالثاً، جاءت رداً إعتراضياً مباشراً على كلام الأزهر على حوار الأديان، وتعايش الأديان، على المستوى العالمي قاطبة، ومن باب أولى على مستوى أبناء الشعب المصري الواحد.

وهي، رابعاً، وأخيراً وليس آخراً، جاءت إنتقاماً من إصرار الأقباط بقياداتهم الروحية والزمنية وبعموم شعبهم على الإنتماء الى مصر، وعلى رفض الإنتقام، وعلى الإحتكام الى الدولة المصرية التي تلقت وتتلقى الضربات مباشرة من هذه العمليات الإرهابية كون الإرهابيين لا يتوانون عن إستهداف الجيش المصري الذي هو جيش مصر، وجيش الأمة كلها، وليس في أي حال من الأحوال جيش الأقباط! وبالتالي فهي تستهدف الرئيس عبد الفتاح السيسي مباشرة، في محاولة لزعزعة حكمه وإظهاره عاجزاً عن حماية شعبه وجيشه.

وتحية الى أقباط مصر، تحية الى الشهداء الذين يسقطون منهم ليرووا أرض أجدادهم وآبائهم، وطبعاً، أرضهم وأرض أبنائهم، بالدماء الطهور. وتحية الى الشعب المصري الذي يتضامن مع اخوته الأقباط ضحايا الإرهاب.

والى جنان الخلد أيها الشهداء، وأكثركم (أمس) من الأطفال الأبرياء.