تخيلوا كيف تكون ردة فعل السوريين لدى سماعهم الاعتراض السياسي داخل لبنان حول التنسيق المطلوب بين الحكومتين والجيشين. قد يستخدمون جملة: غريب أمركم بعض اللبنانيين. هل ترفضون تنسيقا لمصلحتكم لا ناقة فيه ولا جمل لدمشق؟! كيف يُعقل أن يقول سياسي لبناني لا اريد مؤازرة عسكرية لدحر "داعش" عن الجرود الشرقية؟. في حالتي الحرب والمفاوضات لا بدّ من تنسيق مع ​سوريا​. في الحرب لا تقل الحاجة عن المفاوضات لنقل او طرد الدواعش الى ​الاراضي السورية​.

فلنتخيل أيضا المشهد ببساطة: لو خاض ​الجيش اللبناني​ الحرب الميدانية ضد داعش من دون لا مؤازرة ولا تنسيق مع سوريا، كيف يمكن له ضرب الدواعش المتمركزين ضمن الاراضي السوريّة على تماس مع الجبهة اللبنانية؟ لا بل كيف يستطيع الوصول لحماية الارض اللبنانية من أي تدخل أو خرق؟.

فلنتخيل أيضا: في حال مضت المفاوضات لدحر داعش من دون مواجهات ميدانية، ماذا لو رفضت دمشق عندها السماح للدواعش بالدخول في عمق اراضيها شرقا او شمالا او وسطا؟ من يقنع سوريا بتلبية المطلب اللبناني من دون تنسيق؟.

فلنفترض ان الحرب وقعت ضد داعش من الجانبين معا، وهو ما يخفف الضغط عن الجيش اللبناني، لكن من يضبط الاهداف؟ ماذا لو اصاب أحد الجيشين مراكز وعسكريي الآخر، بما يسمى "نيران صديقة"؟.

بعيدا عن الميدان في الحدود الشرقية، لماذا يُحرم لبنان من الآثار الايجابية للتنسيق بين البلدين؟ كيف يمكن اعادة ​النازحين السوريين​ والتخفيف عن كاهل اللبنانيين من دون تواصل وتوافق بين بيروت ودمشق؟ غريب أمر المعترضين! هل المطلوب ان يكون لبنان آخر المستفيدين من اعادة تنظيم العلاقات مع سوريا؟ هناك تمثيل دبلوماسي بين البلدين، والسفير يمثل رئيس الدولة، بمعنى انه يفوق في البلدين أهمية ومرتبة وزير وحكومة. ألم يعين ​مجلس الوزراء​ اللبناني سفيرا جديدا منذ أسابيع في دمشق؟.

أما بالنسبة الى العنوان الاقتصادي، فمن الطبيعي ان يجري التنسيق بين وزراء البلدين في ​الزراعة​ والصناعة والطاقة وغيرها. لبنان يستفيد من الإمداد السوري الكهربائي مقابل اتفاق بين الحكومتين. وتسمح دمشق لصادرات لبنان بالوصول الى اراضيها واستخدامها ايضا كترانزيت نحو ​العراق​ او ​الاردن​ او ​تركيا​، واذا كانت الأحداث الميدانية اقفلت الحدود لسنوات، فإن الاشهر المقبلة ستشهد اعادة فتح المعابر الحدودية. لبنان هو المستفيد الاول حينها في كل قطاعاته. إسألوا عن مزارعي الموز والتفاح مثلا. لو اقفلت سوريا حدودها امام المنتوجات اللبنانية لمدة أسبوع ترتفع الصرخة الزراعية عالية مؤلمة. هذا ما حصل مرارا واستدعى تدخل رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ لتسوية الامر، فتجاوب السوريون مع مساعي الحل.

هذا حاضرا، اما المستقبل القريب فيقضي بترميم العلاقات الحكومية المتبادلة وتنظيم ترجمة الاتفاقات القائمة، في ظل اندفاع دولي اقتصادي للاستثمار في سوريا في مرحلة ما بعد الحرب.

دول غربية وخصوصا اوروبية تخطط لاعادة فتح سفاراتها وترسل وفودا دبلوماسية وامنية واقتصادية لترتيب العلاقات مع دمشق. بينما تعلو اصوات لبنانية معترضة على وجوب التنسيق، وتصوّر الامر وكأنه خدمة لسوريا او دفعا معنويا لنظامها.

تخيلوا مجددا ماذا ستكون ردة فعل السوريين. سيضحكون طويلا وهم يتابعون اخبار ميدانهم عن انجازات عسكرية تعيد المناطق تدريجيا لحضن الدولة. سيضحكون اكثر وهم يستمعون للاخبار اللبنانية بموازاة تغير الحسابات والمعادلات. أيضا سيضحكون وهم ينسّقون مع دول عظمى ك​روسيا​ و​الصين​ وباقي دول البركس. سيقولون بلا شك: أين يعيش هؤلاء السياسيون اللبنانيون المعترضون؟ هل مازالوا يعتقدون انهم في اعوام 2011 و2012 و2013... لقد اصبحنا في الجزء الثاني من عام 2017. هل سألوا اين المعارضة التي دعموها؟ أين "الجيش الحر"؟ أين المنصّات السياسيّة؟ أين التبنّي العربي والإقليمي والدولي لمشروع المعارضة والاطاحة بالنظام؟.

لقد تغير الزمن... على اللبنانيين ان يصدّقوا قبل فوات الآوان. التنسيق مطلوب، ولا يوجد ممنوعات وطنية ولا محظورات سيادية. فيما المرغوب ترجمة مصلحة اللبنانيين بتسوية الازمات لا مراكمة المطبات. إسألوا أهالي عرسال قبل غيرهم. "إسألوا مجرّب ولا تسألوا حكيم". اذا كان وزراء حركة "أمل" و"​حزب الله​" تصدروا واجهة المطالبة بوجوب التنسيق مع سوريا والتحضير لزيارات مرتقبة الى دمشق، فأين باقي الوزراء؟ أين وزير الخارجية والمغتربين بصفتيه الحكومية والحزبية من موضوع فتح صفحة جديدة مع سوريا، طالما يُعلن انه يريد حل ازمة النازحين واعادتهم لبلدهم؟ هل يُخطط الوزير ​جبران باسيل​ لزيارة الى الشام يطرح فيها أمر النازحين مع نظيره السوري ​وليد المعلم​؟ هذا أمر مرغوب شعبيا.