ليس سراً ان الرابية تعيش في الأشهر الأخيرة على إيقاع الانتخابات الرئاسية التي فرضت نفسها بقوة على خطاب زعيم الرابية كما على مواقف النواب في تكتل الإصلاح والتغيير، فالرئاسة، تقول مصادر مقربة من الرابية، التي اصبحت على مرمى قوسين من موعد الاستحقاق غلبت على كل ما يصدر عن الرابية التي ينشغل رئيسها بالتحضير للاستحقاق على طريقته وباسلوب هادىء وتكتيك يختلف عن تكتيكات الجنرال السابقة .

كان يمكن في الجلسات النيابية المنعقدة تحت قبة البرلمان الأسبوع الماضي ملاحظة التناغم والانسجام الذي هبط على اجواء الجلسة بين نواب «المستقبل» ونواب «الاصلاح والتغيير» التي افضت الى تطيير السلسلة الى موعد لاحق نزولاً عند رغبة السنيورة ومراعاة التيار الوطني الحر، وقبله كان يمكن ملاحظة التفاهم النقابي الذي رافق جلسة انتخاب نقيب المهندسين بين التيار الأزرق والبرتقالي ، وهذا يقود الى نتيجة واحدة وهي ان الرابية باتت اكثر مهادنة من قبل، فالهدوء في الرابية مرده كما تقول المصادر الى سياسة الرابية التي تنتهجها في الآونة الأخيرة ، والتي تقوم على الانفتاح على كل الأفرقاء على الساحة الداخلية ، وحيث ينشغل زعيم الرابية بالتحضير وتهيئة الاجواء للاستحقاق الذي بات الهاجس الاساسي والشغل الشاغل للتيار الوطني الحر الذي استطاع منذ عودة عون من المنفى تحقيق انجازات عديدة فاستطاع التيار العوني بلوغ وتجاوز الكثير من الاستحقاقات ، فصار ممثلاً في الندوة النيابية بكتلة نيابية هي الاكبر مسيحياً وفي الوزارات المتعاقبة منذ سنوات .

سياسة الانفتاح العونية ليست جديدة ، تضيف المصادر، هي تعود الى تاريخ اللقاء في روما بين سعد الحريري وميشال عون والتي كرست التكويعة التاريخية ورسمت خريطة الطريق الجديدة للرابية ، فحينها أنهى الفريقان بسحر ساحر القطيعة السياسية التي عمرها سنوات كثيرة ، مما مهد لمرحلة سياسية مختلفة بينهما ، وتبعت ذلك تفاهمات شملت العديد من الملفات من الوزارة الى التعيينات ، فأصبح اشرف ريفي مقبولاً ومطلوباً بقوة في وزارة العدل اما وزير الداخلية نهاد المشنوق فاصبحت زياراته الى الرابية تشبه زيارات أهل البيت بعد ان اصبح «لا احد يفتي في حضور الجنرال».

لكن اذا كان الانفتاح العوني على «المستقبل» يجري وضعه في خانة الاستحقاق الرئاسي وما يتردد عن نفاهم بين زعيمي المستقبل والرابية على معادلة «عون في القصر والحريري في السراي»، فان المفارقة ان انفتاح الرابية لم يقتصر على المستقبل تقول المصادر بل شمل كل المكونات السياسية فسقطت الكثير من الخطوط الحمراء التي كانت قائمة مع سياسيين ، منذ ان اعلن تكتل الاصلاح والتغيير مبادراته تجاه الأحزاب والتكتلات السياسية ،مع الحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب وباتت الأمور مع معراب التي ترشح رئيسها تمر بهدنة سياسية رغم ان جعجع سبق زعيم الرابية بإعلان ترشحه وثمة من قال ويقول بأن ترشح سمير جعجع احرق مراكب عون الرئاسية .

وترى المصادر ايضاً ان سياسة الرابية الاستقطابية تمكنت من استمالة الكثير من الوجوه ، فالنائب روبير غانم المصنف في المحور المختلف عن محور عون لم يتردد في زيارة الرابية وضم صوته الى زعيم الرابية برفض التعديل الدستوري، ورئيس حركة الاستقلال ميشال معوض بدل ان يزور معراب حط فجأة في الرابية في زيارة قبل فترة طرحت الكثير من التساؤلات عن اسبابها وتوقيتها وصنفت انها تأتي في سياق البرودة في العلاقة بين معوض وجعجع من جهة وبين عون وفرنجية من جهة اخرى ، وفي إطار سياسة الزكزكة بين الحلفاء بعدما تردد ان طريق معوض الى معراب ليست سالكة بعد تفرد جعجع بسلوك الطريق الى الرئاسة بدون استشارة احد في 14 آذار وبفرض ترشحه على الجميع في فريق ثورة الأرز.

لكن هل تكفي السياسة الانقتاحية في هذه المرحلة وتوصل الجنرال الى قصر بعبدا؟ يؤكد المراقبون ان الرابية احسنت في السياسة التي اتبعتها في فض الخلافات والتباينات في وجهات النظر، إلا ان الاستحقاق الرئاسي يبقى محطة مفصلية لكنه ليس محلياً فقط، بل له تشعباته وابعاده الإقليمية والدور التقريري فيه هو لإيران وواشنطن. والأرجحية ربما هبوط اسم في بورصة الاستحقاق في اللحظات الأخيرة من خارج ناديي 8 و14 آذار، او للفراغ الذي يمكن ان يسيطر على الرئاسة .