من عادة بعض اللبنانيين تسخيف بعض الأحداث المهمَّة، كما من عادة بعضهم الآخر إعطاء أهميةٍ لأحداثٍ سخيفة، لكن قلةٌ قليلة تعملُ في السياسة بمعيار ميزان الذهب فتَزِنُ الأمورَ والأحداثَ بدقةٍ متناهية.

***

بهذا المعيار يُفتَرضُ التعاطي مع حدث جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية أول من أمس الأربعاء، فلا هي الجلسةُ الأكثر أهمية، كما حاول البعض أن يُصوِّرَها، ولا هي جلسةٌ سخيفة كما جَهِد البعض في توصيفها، بل هي جلسةٌ مهمةٌ وأكثر من عادية في شكلها وفي مضمونها وفي ما يمكن أن تؤسِّسَ له للجلسة أو للجلسات اللاحقة.

***

جلسةُ الأربعاء أسَّست للجلسة أو للجلسات التي ستلي، فلولاها، ومن دونها، لم يكن بالإمكان الحديث عن دوراتٍ لاحقة.

أعادت إحياء ديمقراطيةِ صندوقةِ الإقتراع، فلا يُعرَفُ الرئيس قبل الدخول إلى الجلسة، مثلما كان يحدث منذ العام 1982 وحتّى العام 2008. فجلسةُ الأمس كان يمكن أن تُحدِث مفاجأة لو حصلت الدورة الثانية وانضمت أصوات النائب حلو إلى الأوراق البيضاء.

أثبتت أنَّ بالإمكان لبننة الإستحقاق على رغم الثقافة اللبنانية باستدراج التدخّلات.

أظهرت أنَّ قوى الرابع عشر من آذار قادرةٌ على أن تعودَ متوحِّدة، بالرغم من كلِّ ما يعتريها ويشوبها من تبايناتٍ أحياناً ومن تصدعاتٍ أحياناً أخرى.

***

بكلِّ هذه المقاييس، وإنطلاقاً من كلِّ هذه الإعتبارات، يمكن القول إن جلسةَ الأربعاء التي مرَّت كانت جلسةً مهمَّة، وإنْ لم تحمل في محصِّلتها إسمَ الرئيس العتيد، ليبقى السؤال المحوري:

ماذا عن جلسة الأربعاء المقبل؟

ولماذا اختارَ الرئيس بري هذا التوقيت بالذات؟

وماذا يمكن أن يحدثَ بين اليوم والأربعاء المقبل من تبدُّلٍ في المعطيات ليكون ممكناً القول إنَّ جلسةَ الأربعاء المقبل هي غيرُ جلسةِ الأربعاء الماضي؟

وفق كلِّ المعطيات، فإنَّ الجلسةَ الثانية لن تكون، في أحسن الأحوال، أفضل من الجلسة السابقة، فلا إتصالات نوعية من شأنها أن تُحدِث خرقاً في جِدار العِقَدِ المستعصية. والإحداثيات السياسية، إذا صحَّ التعبير، مازالت هي إياها:

الدكتور سمير جعجع مازال مرشحاً ولم يُعلِن إنسحابَهُ أو تأييدَهُ لمرشَّحٍ آخر.

النائب هنري حلو أعلن أنَّه ماضٍ في ترشيحه.

العماد ميشال عون يُعلِن أنَّه ليس مرشحاً ما لم يكن هناك إتفاقٌ على إسمه، أي أنَّه لا يترشَّح في وجِه مرشَّحٍ آخر.

المرشَّحون الآخرون، المعروفون، ولكن الذين لم يُعلنوا ترشيحاتهم، مازالوا في المربَّع الذي يقفون فيه، فلا هُم أقدموا على الإعلان أنَّهم سيخوضون الجولةَ المقبلة، ولا هُم سرَّبوا خبرَ إنسحابهم.

لم تُسجَّل أية حركةٍ نوعيةٍ على مستوى الإتصالات الرفيعة المستوى، لا على المستوى الداخلي ولا على المستوى الخارجي.

وبناءً عليه، واستناداً إلى كلِّ المعطيات التي سبقت، يمكن إعتبار أنَّ ظروفَ ومقتضياتِ جلسةِ الأربعاء المقبل لم تَنْضُجْ بعد، وأنَّها جلسة، في أحسن أحوالها، ستنضمُّ إلى جلسة الأربعاء السابق من حيث عدم تمكُّنِها من إنتخاب الرئيس الجديد. بما يُتيحُ القول:

إلى اللقاء في الأربعاء الذي يلي أو في موعدٍ آخر، فالرئاسة، للأسف، لم تَنْضُجْ بعد.