والآن، ماذا بعد؟

كانت هناك فرصةٌ وحيدةٌ لتحريك المياه الراكدة في المستنقع، فأضاعوها!

المبادرة التي أطلقْتَها يا شيخ سعد، قبل أيام، لم يكتمل إحتضانُها من جانب المعنيين ليحوِّلوها مشروعاً إنقاذياً. والترحيب الذي قوبلت به المبادرة من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط و14 آذار، قابله التشكيك والصمت ووضع الشروط من جانب الآخرين، فتحوَّلت المبادرةُ مجرد صوتٍ صارخ في البرية.

وهكذا، غداً الأربعاء، سيسقط الكثير من النواب، ممثلي الشعب والأمة، في إمتحانهم الجديد لإنتخاب رئيسٍ للجمهورية.

اوساط العماد عون تقول انه متمسك بالمبادرة التي اطلقها أخيراً من خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في الرابية والذي يعتبر فيه ان هذه المبادرة هي الوسيلة الأمثل للخروج من المأزق.

***

وفي الموازاة لا يبدو في الأفق أيُّ حراك ذي مغزى يتعلَّق بالإستحقاق، بإستثناء لقاءٍ جمع النائب جنبلاط والعماد جان قهوجي، قبل أيام، لدى صديق مشترك في بلدة الوردانية في إقليم الخروب، يفضِّل المعنيون به إبقاءه بعيداً عن الأضواء.

وبناءً على المعطيات المتوافرة، لا إنتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية غداً. ووفقاً للمعلومات، إنَّ النواب الذين تغيَّبوا عن الجلسات السابقة، وعطّلوها، سيتغيَّبون غداً أيضاً.

***

وهذه المرة، يرتدي التعطيل أهميةً خاصة. فالمجلس النيابي بات على مسافة ثلاثة أسابيع من الموعد الدستوري لبدء الترشيحات للإنتخابات النيابية، أي 19 آب. وعند هذا الموعد، ماذا سيحدث؟

يمكن الجزم بأن الطاقم السياسي المأزوم لن يتمكن من إنجاز قانون للإنتخاب، ولا التحضير لإنتخابات نيابية قبل 20 تشرين الثاني. ولذلك، لا مجال أمام المجلس إلا التمديد لنفسه مرّةً ثانية. ويتردّد أنَّ التمديدَ الثاني قد يكون أطول من الأول، أي أكثر من 17 شهراً.

لكن هذا التمديد لن ينهي الأزمة الدستورية - السياسية، بل سيزيدها تفاقماً ما لم يبادر هذا المجلس، قبل إنتهاء ولايته، إلى إنتخاب رئيسٍ للجمهورية. وهذا ما يؤكده الرئيس بري الذي قال مُرحِّباً بمبادرة الرئيس الحريري:

أنا متمسِّكٌ مثله بإجراء إنتخابات رئيس الجمهورية قبل أي إستحقاق آخر. كما أوافقه الحرص على رئاسة مجلس النواب، في قوله بعدم إمكان إنتخاب رئيس للمجلس قبل إنتخاب رئيس الجمهورية. ولا يمكننا أيضاً تسمية رئيس الحكومة قبل إنتخاب الرئيس، لأنَّه ملزَمٌ التشاور مع رئيس المجلس والنواب لتسمية رئيس الحكومة.

ويلتقي رئيسُ المجلس في موقفه مع العديد من النواب الذين ساهموا في صياغة وثيقة الطائف، وهم من كبار الخبراء في الدستور.

***

- فالوزير بطرس حرب يقول:

إذا تمّ إنتخابُ مجلسٍ نيابي جديد، فستكون الحكومة الحالية مستقيلة حكماً. وعندئذٍ، يتوجب أن يجري رئيس الجمهورية إستشاراتٍ نيابية ملزمة لتأليف أخرى. وهذا الرئيس ليس موجوداً. ولذلك يتعطّل قيام حكومة جديدة.

وفي أي حال، ولو أجريت الإستشاراتُ وتمّ تكليف شخصية بتأليف الحكومة، فإنَّ صلاحيات إصدار مراسيم التأليف هي حصراً لرئيس الجمهورية، ولا يمكن تجييرها لأحد.

وتالياً، سنكون قد إنتخبنا مجلساً نيابياً لكننا أسقطنا الحكومة، فصارت في وضعية تصريف الأعمال حتّى إنتخاب رئيسٍ للجمهورية. وهذا يعني، عملياً، ضرب السلطة التنفيذية تماماً، فيما التشريع معطَّل أساساً بسبب عدم وجود رئيس. وهنا تكتمل حلقة الفراغ الذي يهدِّد لبنان.

- وأما الوزير السابق إدمون رزق فيذكّر بالفقرة ي من مقدمة الدستور، التي تنصُّ على أنَّ لا شرعية لأيِّ سلطةِ تناقض العيش المشترك. ويرى أنَّ هذه المادة تنطبق على مسألة عدم إنتخاب رئيس للجمهورية.

فللرئاسة وزنٌ ميثاقيّ لا يمكن تجاوزه. وفي غيابها تصبح كلُّ أعمال السلطتين التنفيذية والتشريعية غير شرعية. وإذا مارس المجلس درواً تشريعياً، بما في ذلك إقرار قانونٍ للإنتخاب، فإنَّ عمله يقعُ تحت طائلة المسؤولية، إلى حدّ إتهامه بإرتكاب الخيانة العظمى.

وفي رأي رزق، لا يحقُّ لمجلس الوزراء أن يستخدم المادة 73 من الدستور، وأن يتولّى على أساسها صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة. فما تقصده هذه المادة بخُلوِّ موقع الرئاسة، هو الحالات الطارئة كالوفاة المفاجئة للرئيس أو ما شابه، ولفترة قصيرة جداً. أما التعطيل المتعمَّد والمتمادي لإنتخاب الرئيس فهو خطيئة دستورية وميثاقية، ولا تنطبق عليه هذه المادة.

***

إذاً، وبناء على هذه الإستنتاجات، يمكن القول:

إنَّ الفلتان الدستوري والسياسي آتٍ، في موازاة الفلتان الأمني والإقتصادي والإجتماعي.

وليست هناك مهزلةٌ أكبر من تلك التي يفتعلها بعض السياسيين عندنا. فهؤلاء يدركون إلى أيِّ كارثةٍ يتَّجه لبنان بسبب إمعانهم في تعطيل الإنتخابات الرئاسية، ومع ذلك لا يرحمون بلدهم ولا شعبهم، ولا يتجاوبون مع المبادرات!