بالرغم من المشهد السوداوي المسيطر على المنطقة الممتدة من العراق الى لبنان مرورا بسوريا واسرائيل والدول الخليجية، يتمسك دبلوماسي غربي بنظرية التسوية معتبرًا أنّ ما يحصل في هذه المرحلة هو تدوير زوايا دولية واقليمية حادة الاطراف لا ينفع معها سوى اعادة رسم خريطة جيوسياسية للمنطقة برمتها تطيح بما تبقى من اتفاقية سايس بيكو التي تم توقيعها في ظروف دولية مشابهة لتلك التي يمر بها العالم اليوم مع فارق زمني بالشكل وليس بالمضمون، وبالتالي فإنّ ولادة التسوية قيصرية ومؤلمة وهذا ما يتم ترجمته على أرض الواقع أكان في سوريا أو في العراق أو في اسرائيل نفسها، وهي الباحثة عن مخارج للازمات المحيطة بها على اعتبار أنّ النار المنتشرة على حدودها قد لا توفرها على الاطلاق، بل وصلت إليها من بوابة قطاع غزة وقد يتكرر المشهد في الضفة إذا لم يسارع الكبار إلى لملمة الاوضاع والتداعيات، بدليل الحراك المستميت واللاهث بحسب الوصف لوزير الخارجية الأميركية جون كيري على خط التهدئة الفلسطينية الاسرائيلية التي لن تصل في مطلق الأحوال إلى هزيمة كاملة لاسرائيل ولا إلى نصر كامل للمقاومة الفلسطينية، أي إلى تسوية مشابهة لتلك التي حصلت في صيف 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل على قاعدة خلط الأوراق وإعادة تكوين حدود سياسية موازية للحدود الجغرافية.

وتوقف الدبلوماسي عند مشاهدات سورية وعراقية ولبنانية للتأكيد على وجهة نظره فشدد على ضرورة متابعة الميدان السوري الذي دخل ما يشبه الستاتيكو العسكري والسياسي في الغوطة ودرعا وحلب حيث يحاصر الجيش السوري المسلحين من دون القضاء عليهم بالرغم من قدرته على ذلك، لاسيما في مدينة حلب. بيد أنّ المعارك فيها تحولت إلى جبهات استنزاف يسودها رصاص القنص وبعض القذائف المدفعية للتأكيد على ثبات الجبهات وولحصر المواجهات في حدودها الدنيا، وكذلك الامر بالنسبة للغوطة حيث يكتفي الجيش السوري بشن هجمات استباقية محدودة الأهداف والنتائج في وقت يمكن فيه انهاء المعارك والتركيز على اعادة البنية السياسية انطلاقا من العاصمة.

كذلك الامر بالنسبة الى جبهة القلمون، حيث تكاد المواجهة بين الجيش السوري وحزب الله من جهة والمسلحين وعلى رأسهم داعش من جهة ثانية تتحول الى حرب جبهات محصورة بتبادل القصف ما يطرح اكثر من علامة استفهام حول العديد من المواضيع العالقة وابرزها الجهة الدولية القادرة على فرض مثل هذا الواقع الذي يراوح بين حدي استمرار المحافظة على الامن الهش بحده الادنى وعدم تفجير الساحة اللبنانية انطلاقا من جرود عرسال، وابقاء التوتر على نسبة عالية لموازنة الضغوط ودفع الامور الى الاحتمالات السيئة كما لتهيئة الساحة لفرض اي من انواع التسوية مع ترك الابواب مفتوحة على الاستحقاقات السياسية من دون مقاربتها.

ولا يختلف المشهد في العراق حيث تتركز "البروباغندا" الاعلامية على تصرفات "داعش" لتأليب الشارع الاسلامي عموما عليها في موازاة التعتيم الاعلامي على المواجهات التي بدأها الجيش العراقي بالاشتراك مع بعض العشائر مع التنظيم المذكور للحد من تمدده وعدم تركه على غاربه لجهة السيطرة على مزيد من المساحات الاستراتيجية، علما أنّ سيطرته على مزيد من الارض وتوسعه على الجبهات يبدو مفيدا للجيش في حال تم التوافق السياسي على دوره لمواجهة المستجدات الميدانية، مع ضرورة التوقف عند قرارات الامم المتحدة القاضية برفض التعاون الاقتصادي مع داعش خصوصا لجهة شراء المنتوجات النفطية من الابار التي سيطرت عليها في العراق وسوريا ما يؤسس الى مزيد من الضغوط التي سيتم تثميرها لاحقا في اي تسوية مفترضة.