لن تكتفي القوى السياسية اللبنانية هذه المرّة، على إختلاف توجهاتها، بجريمة تمديد ولاية المجلس النيابي فقط. سوف تعمد إلى إبتكار بعض المشاهد "الكوميدية" من أجل إعلان سقوطها. لكنها في حقيقة الأمر تعلن إستقالة شعب كامل من مسؤولياته الوطنية، وكأنه توفي منذ سنوات طويلة وهي اليوم تحضر مراسم الدفن له لا أكثر.

إنطلاقاً من المثل الشعبي القائل "إن لم تستح فافعل ما تشاء"، يتعامل نواب الأمة مع ناخبيهم. في ​التمديد​ الأول تحججوا بالأوضاع الأمنية وقطعوا وعداً باقرار قانون إنتخابي جديد، من أجل التعويض عن فشلهم على مدى 4 سنوات. واليوم مع إنتهاء المدة يحضرون "صفقة" التمديد الثانية، من دون أن يتقدموا خطوة واحدة على طريق تنفيذ وعدهم. وطبعاً الحجة نفسها حاضرة: "الأوضاع الأمنية لا تسمح باجراء الإنتخابات".

في أي شركة، كبيرة كانت أم صغيرة، في بلدان متقدمة أم متخلفة، فانّ الموظف الفاشل يكون مصيره الطرد، لكن في المجلس النيابي يكرّم بتمديد عقد عمله فترة إضافية، من دون أخذ موافقة صاحب السلطة الفعلية. فمنذ أكثر من سنة ونصف نرى الوكالة البرلمانية مغتصبة من قبل نواب الأمة، وهم يسعون إلى تكرار فعلتهم في الأيام القليلة المقبلة، ربما لاقتناعهم بأن ليس هناك من يحاسبهم. فعلاً ليس هناك من يحاسب، فصناديق الإقتراع تثبت ذلك، يمكن للمواطن أن يشتكي أو يشتم لا بل قد يتحرك في الشارع معترضاً، لكن في الإنتخابات يختار الأشخاص أنفسهم.

ما يجري حالياً ليس إلا مسرحية، فليس هناك من فريق لا يريد التمديد، لكن المطلوب دفع "الثمن" المناسب لذلك، وهذه المرة تبدو قوى الرابع عشر من آذار هي من دفعه، من خلال التنازل من أجل تفعيل عمل المجلس النيابي المعطّل، عبر الذهاب إلى التشريع الضروري، بحسب ما أعلن نائب رئيس حزب "القوات اللبنانية" جورج عدوان، عند زيارته رئيس المجلس نبيه بري قبل أيام قليلة، لكن هذا لا يعني حل كل المشاكل، فلا رئيس للجمهورية سيُنتخَب ولا إقرار لحقوق المواطنين ولا دعم للمؤسسة العسكرية أو تحسين في الأوضاع الإقتصادية أو الإجتماعية أو الأمنية، أقصى ما يمكن أن يتمناه الإنسان هو إبقاء الوضع على ما هو عليه لا أكثر.

ما حصل من تقديم لترشيحات في الأيام الأخيرة من قبل القوى السياسية ليس أكثر من "مزحة". الجميع يدرك بأن التمديد واقع لا محالة، والإعداد له يتم منذ أشهر طويلة، لكن البعض لا يريد أن يكون هو من يطالب به، وباستثناء "التيار الوطني الحر"، الذي سيعيد تكرار موقفه السابق، سيذهب الجميع إلى ما يصفونه بـ"أبغض الحلال"، فهم لا يريدون ذلك، لا سمح الله، لكن حرصهم على الأوضاع الأمنيّة في البلاد دفعهم إلى قبول التمديد مرغمين، فـ"داعش" على الحدود وداخل المدن والقرى، وهم لم يفعلوا أي شيء لمواجهة ذلك، إلا أنهم لولا ذلك لكانوا إعتزلوا العمل السياسي أصلاً.

على المواطنين إقامة الصلاة منذ اليوم لشكر الله على الطبقة السياسية التي أنعم عليهم بها، وهي أيضاً عليها أن تقوم بالأمر نفسه، فهل هناك من لا يزال يقبل أن يُسلب حقه من دون أي مقابل غير اللبنانيين؟ فحتى الدول التي تصنّف بأنها دكتاتورية تعمد إلى تقديم بعض الخدمات لمواطنيها لإسكاتهم كي لا يثوروا على طغيانها.

الأهم من كل ذلك، مبدأ الوراثة السياسية، لكن حتى هذا الأمر الذي من خلاله يمنح الآباء أبناءهم، منذ ولادة الدولة اللبنانية، إلى جانب الأملاك والأموال، المقاعد النيابية أيضاً، أدخلوا عليه تعديلاً مهماً، فبعضهم رشح معه نجله، لينعم علينا بـ"البركة الكبرى"، وهنا بات أمام الناخبين، إيماناً بـ"الديمقراطية"، خيارات متعددة: السكوت عن التمديد، الذهاب إلى انتخاب الموجودين، إنتخاب الأبناء في حال كان هناك بعض الإعتراضات.

في المحصلة، يجب أن نكون واقعيين، ليس هناك من أمل بأي تغيير في المدى المنظور، والإنتخابات في حال حصولها لن تقدم أي جديد، فالناخبون سيختارون الأشخاص أنفسهم، وأقصى ما يطالب به معارضو التمديد هو إحترام عقولهم، وليكن التمديد عبر الصناديق بدل فرضه بهذا الشكل المهين..