في الوقت الذي يَستمرّ فيه الإنقسام بشأن القضايا الداخليّة السياسية العالقة، بَدءاً بشغور منصب الرئاسة وصولاً إلى تباين الآراء من مسألة الإنتخابات النيابيّة، مع ما بين هذين الإستحقاقين الدستوريين من خلافات على العديد من المسَائل والقضايا، تُعاني السلطة اللبنانية بفروعها السياسية والأمنيّة من قلق كبير، نتيجة وجود أكثر من ملفّ مفتوح على مختلف الإحتمالات، بما فيها "سيناريوهات" مُخيفة.

السيناريو الأوّل يتمثّل في قضيّة العسكريّين المخطوفين، والذي من شأن تركه من دون حلول قريبة أن يُعرّض حياة مزيد من العسكريّين للخطر الشديد، مع تزايد صعوبة ضبط رَدّات الفعل الداخليّة على أي عمليّة قتل جَبانة جديدة قد يُقدم عليها الخاطفون الذين يضغطون على السلطة السياسية مُستغّلين قلق وحرقة الأهالي على أبنائهم، ويُحاولون الدُخول على وتر الصراعات السياسية والمذهبية الداخلية في لبنان، بشكل يرفع من مستوى الإحتقان العام. والمُشكلة أن تبنّي أيّ مُقايضة بالشكل الذي يُطالب به الإرهابيّون، لن يكون سهل "الهضم" من قبل شرائح واسعة داخليّة، وسيَفتح شهيّة الكثير من "الخلايا الإرهابيّة" على القيام بعمليّات خطف مُستقبلاً، طمعاً بمزيد من المقايضات. وفي حال عدم التراخي أمام مطالب الخاطفين، فإنّ خطر حُصول تصفيات جديدة مُرتفع، شأنه شأن خطر قيام مجموعات لبنانيّة مسلّحة بردّات فعل أمنيّة واسعة على أيّ عمليّة قتل واردة لأي من العسكريّين.

السيناريو المُخيف الثاني يتمثّل في قضيّة المُسلّحين في جرود عرسال والذين قد يجدون أنفسهم قريباً في موقع ميداني صعب نتيجة إستمرار الضغط العسكري عليهم من الجانب السوري، بالتزامن مع إرتفاع وتيرة التضييق عليهم من الجانب اللبناني. ومع قرب حلول فصل الشتاء والطقس البارد جداً في المناطق الجرديّة التي ينتشرون فيها، وفي ظلّ تراجع خطوط الإمداد اللوجستي لهم من ذخائر وغذاء ودواء ووسائل تدفئة وغيرها، قد يحاولون كسر الطوق عليهم، عبر التحرّك عسكرياً في إتجاه داخل عرسال من جديد، علماً أنّ القرار الأمني مُتّخذ بإفشال أيّ محاولة أمنيّة في هذا الإتجاه. وهذا يعني أنّ خطر وقوع مواجهة عسكريّة واسعة وشرسة قائم وبقوّة، إن حُلّت قضيّة العسكريين المخطوفين أو لم تُحلّ، مع كل ما يحمله هذا الأمر من مخاطر أمنيّة قد تمتدّ لأكثر من منطقة، من عرسال إلى "وادي خالد" وغيرها من قرى وبلدات عكّار، مروراً بطرابلس حيث يزداد ضغط بعض الخلايا المسلّحة الخطيرة في باب التبّانة وغيرها، وصولاً إلى مخيّم "عين الحلوة" في صيدا، إلخ.

السيناريو الثالث يتمثّل في قضيّة مُخيّمات اللاجئين السوريّين التي إتخذت "الخلايا الإرهابية النائمة" منها أرضيّة آمنة للإختباء، بموازاة العمل على تجنيد مُناصرين جُدد، والتحضير والإستعداد في إنتظار أوامر تحرّك خارجيّة. والمُشكلة أنّ المداهمات الدَوريّة التي تقوم بها القوى الأمنيّة ترفع من مستوى التوتّر والإحتقان وتُسهّل مُهمّة الإرهابيّين في تجنيد المزيد من المُغرّر بهم، بحجّة التعرّض للإضطهاد والقمع والتمييز العنصري، بينما ترك الفلتان الحاصل في المخيّمات يُفاقم نسبة الخطر المُستقبلي ويجعل "الخلايا النائمة" أكثر قوّة وتنظيماً وإستعداداً، مع تفاعل خطر تحرّكها أمنياً في المستقبل بمجرّد وقوع أيّ خضّة داخليّة. ومن ضُمن الصعوبات القائمة، عدم إمكان ترك هذا الإنفلاش الواسع للسوريّين اللاجئين على الأراضي اللبنانية من دون رقيب وحسيب، في الوقت الذي لا يُوجد إجماع على حصر هذا التواجد في مخيّمات مَحصورة جغرافياً ومراقبة أمنيّاً، علماً أنّ المعارضين لهذا الخيار يُذكّرون بتجربة مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين التي تحوّلت مع الوقت من مُوَقّتة إلى دائمة، ومن مكان لإيواء نازحين مدنيّين إلى ثكنات عسكريّة مدجّجة بالسلاح والمسلّحين وكذلك إلى مأوى للخارجين على القانون.

السيناريو المُخيف الرابع يتمثّل في ما يحصل في منطقتي شبعا والعرقوب من تطوّرات تتداخل فيها مصالح إسرائيل في توسيع منطقة سيطرتها لفرض "حزام آمن"، مع مصالح مُعارضين سوريّين في إيجاد مساحة جغرافية واسعة للإستعداد والحشد تمهيداً للتحرّك الأمني في الجنوب السوري. ونتيجة لذلك، تُواجه الطائفة الدرزيّة وضعاً ضاغطاً من جبل الشيخ والقنيطرة مروراً بشبعا والعرقوب وصولاً حتى إلى حاصبياً وراشيا والعمق الدرزي في لبنان. والأكيد أنّ أيّ مواجهات واسعة أو أيّ تغييرات جذريّة في السيطرة الميدانية في مناطق المواجهات في سوريا حيث ينتشر الدروز، سيرتدّ على كل المناطق المُحاذية في الداخل اللبناني بما فيها من تلوّن مذهبي، والخوف كبير من تكرار تجربة "عرسال"، مع ما سيُشكّله هذا الأمر – في حال حدوثه، من توتّر أمني على جبهة جديدة واسعة.

في الخلاصة، وعلى الرغم من جدّية المخاطر القائمة، ومن دقّة الأوضاع وحساسيّتها، فإنّها تبقى قابلة للمعالجة إلى حدّ ما، حتى لو إنفجرت كلّها دفعة واحدة، مع وجود إستثناء واحد يجعل هذه المَخاطر مُضاعفة وغير قابلة للضبط وحتّى مُهدّدة للكيان اللبناني ككل. وهذا الإستثناء يتمثّل في أن يجد أيّ سيناريو من هذه السيناريوهات أعلاه، بيئة حاضنة واسعة من قبل فئات لبنانية مُؤثّرة، بغضّ النظر عن أحقّية وصوابية الحجج التي قد تُرفع لتبرير ذلك أو عدمه.