في ظل الخلافات القائمة بين تنظيمي "الدولة الإسلامية" و"القاعدة"، كان صادماً البيان الصادر عن الفرع الثاني للأخيرة في جزيرة العرب، حيث أعرب عن تضامنه مع مقاتلي "داعش" ضد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، داعياً إلى تناسي الخلافات بينهما، إلا أن نفي صفة "الخوارج" عنهم أدى إلى بروز خلافات على نطاق واسع بين فرعي "القاعدة" في اليمن والشام.

المشكلة الأساس، لدى مؤيدي "القاعدة" في سوريا، لم تكن في بيان النصرة، ولا في الدعوة إلى عدم الإقتتال بين الفصائل في هذه المرحلة، بل في إلغاء صفة "الخوارج" عن عناصر "داعش"، لا سيما أن فرع اليمن لم يذكر إسم جبهة "النصرة" وباقي الفصائل في البيان.

وقد عبر البعض من هؤلاء عن "فجاعتهم" بالبيان الصادر، متوجهين بالسؤال إلى "إخوانهم" في اليمن عن موقفهم من "داعش" فيما لو صنعت بهم ما صنعته بـ"مجاهدي" الشام من قتل وسلب، وذهب البعض إلى حد تشبيه عناصر "الدولة الإسلامية" بـ"الحوثيين"، مؤكدين أنهم ممن قتل المسلمين واستباح دمهم.

في خضم المعركة التي كانت قائمة على مواقع التواصل الإجتماعي والمنتديات "الجهادية"، عاد البعض إلى المواقف التي صدرت قبل مدة عن كبار منظّري "القاعدة"، لا سيما أبو قتادة الفلسطيني، الذي كان قد أكد أن "الدول الإسلامية طائفة خوارج"، مستغربين كيف أن التنظيم الذي صام عن نصرة الفصائل التي سفكت دمائها "الدولة" وجّهوا اليها الدعوة لنصرتها معتبرًا أنها ليست من الـ"خوارج".

وفي هذا السياق، تعتبر مصادر متابعة لهذا الملف، أن البيان الصادر من اليمن لم يأتِ من فراغ، هو يتناغم إلى حد بعيد مع أكثر من مبادرة طرحت في الفترة الأخيرة، لمعالجة الخلافات التي نشأت منذ لحظة إعلان زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي عن تأسيس "الدولة الإسلامية في ​العراق​ والشام" ومعارضة زعيم جبهة "النصرة" أبو محمد الجولاني له بسبب الحملة التي يقوم بها التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، لكن لم يكتب النجاح لأي منها، نظراً إلى الممارسات التي ارتكبها كل تنظيم بحق الآخر في المرحلة السابقة.

وفي الأيام السابقة، كان من اللافت الحديث عن وجود نوع من الهدنة غير المعلنة بين الفصائل على أرض الشام، وأكدت المعلومات أن حدة المعارك فيما بينها هدأت نسبياً، لا بل أن بعض المقاتلين رفضوا مقاتلة "إخوانهم" في هذه المرحلة، نظراً إلى أن المطلوب منهم اليوم التعاون في مواجهة ما سمّوه بـ"الحلف الصليبي".

وما يعزز هذا الإعتقاد، هو وجود "فتاوى" جديدة تصب في الإتجاه نفسه، منها تلك الصادرة عن عضو اللجنة الشرعية في منبر "التوحيد والجهاد"، المقرب من تنظيم "القاعدة"، أبو العز النجدي، الذي رأى أن لا مانع من العمل مع "الدولة الإسلامية" في "التعاون على البر والتقوى لا التعاون على الاثم والعدوان"، وكذلك في "قتال الصليبيين والروافض والكفار من أنظمة الردّة لا في قتال المسلمين ومن يسميهم الغلاة بالصحوات من مخالفيهم من المجاهدين أو غيرهم وليسوا بالفعل من الصحوات أو العملاء"، لكنه أوضح أنه يجيز ذلك في حال أتيحت فرصة التعاون مع غيره من التنظيمات، حيث يؤكد أن "الأولى غيرهم ممن هم أنظف وأبعد عن الغلو وسفك دماء المسلمين"، موضحاً أن ما يتحدث عنه لا ينطبق على أرض الشام بل على العراق فقط، حيث يؤكد أن الخيار بالنسبة إلى "المجاهدين" في الشام أوسع والجماعات العاملة على الساحة كثيرة وهناك من هم "أنظف" من "داعش"، وبالإمكان العمل معهم والانحياز اليهم.

بالإضافة إلى ذلك، كان الشيخ أبو محمد المقدسي، المقرب من "القاعدة"، قد أكد أن "الوقت وقت هجمة صليبية مرتدة على المسلمين ومن أراد أن يتكلم في هذه الساعات فأولى الكلام هو إنكار هذه الهجمة ومناصرة عموم المسلمين فيها"، موضحاً أنه "بسبب الغزو الصليبي عليهم وعلى غيرهم في الساحة الشامية بدأت باستعمال الاسم الذي يحبونه وهو الدولة الإسلامية في العراق والشام إغاظة لأعداء الله من الصليبيين والمرتدين".

من وجهة نظر المصادر المتابعة لملف التنظيمات الارهابيّة والتي تدّعي "الجهاد"، أن هذا الأمر لا يتناقض مع موقف التنظيمات التي تدور في فلك "القاعدة" الأساسي من تنظيم "الدولة الإسلامية"، فهم منذ البداية دعوه إلى أن يعود للعمل في العراق فقط، وهي تعتبر أن ما يقوم به التنظيم في بغداد "حلال"، لكن نقل هذه الممارسات إلى أرض الشام "حرام"، الاّ أن المشكلة الأساس هي في الغاء صفة "الخوارج"، لأن ذلك يلغي كل الحجج التي كان يتقدم بها هؤلاء طوال الفترة السابقة، لا سيما في ظل رفض تنظيم "الدولة" الرضوخ إلى النصائح التي وجهت له من قبل من يسدل على نفسه تسمية كبار العلماء والمشايخ.

وترى المصادر أن أنصار "القاعدة" ما كانوا ليعترضوا على الموقف الصادر عن الفرع "اليمني"، لو أعلن فقط رفضه العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف الدولي في سوريا والعراق، من دون أن يدخل في تسمية تنظيم "الدولة الإسلامية" أو إلغاء صفة "الخوارج" عنها.

في المحصلة، يجد تنظيم "القاعدة" اليوم نفسه أمام مشكلة جديدة، بين فرعي اليمن والشام، بعد أن أدى الخلاف السابق إلى خروج "داعش" عن أمرته، فهل يؤدي ذلك إلى خروج "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" عن سلطة التنظيم الأم أيضاً؟