في مؤتمر الدوحة عام 2008، كاد كل شيء أن يُنجَز، وبقيت مسألة واحدة عالقة وهي كيفية إقناع العماد ميشال عون بأن ينسحب من السباق الرئاسي لمصلحة العماد ميشال سليمان، وقيل له: لماذا لا تكون صانع الملوك بدلاً من أن تكون الملك؟ فهِم الجنرال الرسالة، وعند العودة الى بيروت كان مؤتمره الصحافي الشهير الذي قال فيه انا تهمني الجمهورية أكثر مما تهمني رئاسة الجمهورية.

لم تمرَّ الاعوام الستة من عهد الرئيس ميشال سليمان بردًا وسلامًا على العماد ميشال عون. عندما اقترب العهد من ان يُكمِل العامين الاولين قيل إنه سيتم تعديل الدستور لتقصير الولاية بما يتيح انتخاب العماد عون، لكن كل تلك التوقعات كانت وعوداً غير مبنية على واقع لأن العهد سيُكمِل مدته حتى اليوم الأخير.

***

الذي حرَّك ملف الرئاسة قبل أكثر من سنة على انتهاء العهد كان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي:

بدأ باتخاذ المواقف التي تطالب باحترام الدستور لجهة المهل الزمنية.

وضع فيتو على التمديد، وكم من مرة جهر برفضه التمديد حتى مع رئيس الجمهورية إلى درجة ان الاخير أوفد إليه شخصية ديبلوماسية نقلت إليه ان الرئيس لا يفكر بالتمديد ويتمنى عليه، بالتالي، وقف الحديث عن رفض التمديد.

عند هذا الحد حقق الكاردينال الراعي البند الاول من خطته: إسقاط التمديد.

بالتزامن، بدأ الإعداد للبند الثاني المتمثِّل باختيار الشخص لانتخابه أو لترشيح أكثر من شخص لتكون المنافسة بينهم. إنعقدت اجتماعات الاقطاب الموارنة الاربعة في بكركي، لكن استحالة التوافق على اسم مردُّها أن الاربعة مرشحون سواء رسميًا او ضمنًا.

القطبة المخفية في كل ذلك مما يحدث في ملف رئاسة الجمهورية، ان العماد ميشال عون في ال 2014، وربما وصولاً إلى السنة الجديدة، قرر ان يكون غير العماد عون في ال 2008، قرَّر ان يكون الملك لا صانع الملوك. كل العقدة تقف هنا لتُطيح بكل الجهود التي تُبذل سواء في روما او باريس او اي عاصمة. فما نفع التفتيش عن مرشح توافقي إذا كان العماد عون لا ينسحب لأحد؟

***

عند هذا الحد من المراوحة، فإن ما يتم التداول فيه لا يعدو كونه طبخة بحص على رغم كل الجهود المشكورة التي يقوم بها الأقطاب والمراجع.

فمثلث الازمة قائم على الاضلع الثلاثة الآتية:

هناك مرشح اسمه العماد عون لا يتراجع، مع كل ما يسببه من حرجٍ لحلفائه وإرباكٍ لطابخي انتخابات الرئاسة .

هناك مرشحون آخرون، معلنون ومضمرون، جميعهم في انتظار ما سيقرره العماد عون.

وهناك ظروف إقليمية ودولية لا تسمح بالقول إن انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان هي قريبة.

وتأسيساً على كل ما تقدَّم، فلا انتخابات رئاسية في لبنان في المدى المنظور، ويبدو ان الفراغ سيطول الى أن تنجلي التطورات في المنطقة، من دون إغفال عامل مهم وهو عنصر المفاجأة بمعنى أن تنضج طبخة ما في لحظة توافق إقليمية دولية يستفيد منها لبنان من خلال انتخاب رئيس جديد، وما دون ذلك فإن عهد الشغور سيطول للأسف الشديد، والخاسر الأكبر هو لبنان أولاً والمسيحيون خاصة، إذ لا رونق ولا تفاعل ولا انصهار وطنياً دون الشراكة الحقيقية بين جميع الطوائف في الوطن.