إنطلاقاً مِن إيماني بالله خالق السماء والأرض والإنسان الذي قال لشعبه: "كونوا قِدِّيسين، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ إِلهَكم قُدُّوس" (أح 2:19)؛ إنطلاقاً مِن إيماني بالله المتجسِّد سيدنا وربنا وإلهنا وفادينا يسوع المسيح، الذي دعاني لأكون قديساً على مثال أبي السماوي: "كونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويَّ كامِل" (متى 5: 48)؛ إنطلاقاً مِن إيماني بالروح القدس الذي نِلته من سرّ المعموديّة الذي منحني طريق الخلاص والقداسة؛ أنا المسيحيّ الذي انطبع اسم المسيح مخلصي في كياني، أسعى أن أعيش رسالتي في هذه الحياة ألا وهي القداسة.

قداسة الذي خلقني هي قداستي؛ قداسة الذي فَداني هي قداستي؛ قداسة الذي يرافقني هي قداستي؛ قداستي هي قداسة كنيستي وقداسة أبنائها هي قداسة المسكونة. دعوة الله الآب والابن والروح القدس لنا للقداسة هي دعوة شخصيّة فرديّة لكل مخلوقٍ على صورة الله ومثاله بلا تمييز بين المسيحي والمسلم آو غير المؤمن. لذا جميعنا مدعوين إلى هذه الرسالة وإلى هذه الفضيلة الإنسانيّة الروحيّة، أي إلى القداسة. لذا القداسة هي ما تجمع الإنسانيّة بخالقها، هي الطريق المستقيمة التي تقودنا إليه، هي نبع الفضائل الإنسانيّة، هي خلاص كلِّ مُخلَّصْ.

حبُّ الله لنا، جعله يدعونا أبناءً؛ حبُّه لنا قدَّسنا بصليب ابنه، وحبّي له ما هو إلاَّ علامة شكرٍ لحبِّه لي. فالقداسة هي حبّ، ووجود الإنسانيَّة علامة حب الله لشعبه الذي قدَّسه بخَلقِهِ إياه. إذاً الإنسانيّة بأجمعها هي خليقة الله وهي مدعوَّة للقداسة. كلُ إنسانٍ يتَّصِفُ بطَبْعٍ مُعيَّنٍ، بمهنةٍ خاصةٍ، برسالةٍ فريدةٍ، بحبٍ عميقٍ... وكلُّ ما يجول في أعماق الإنسان هو من صميم كيانه ومن صميم رسالته في هذه الحياة.

هناك مَن تقدَّس بتكريسه الرهباني، هناك مَن تكرَّس بسرِّ كهنوته، هناك مَن تقدَّس بحبِّه لعائلته، هناك مَن تقدَّس بخدمته للإنسانيَّة وهناك مَن تقدَّس بتقديسه للآخرين. القداسة هي مختلفة التعبير ولكنها واحدة في جوهرها.

ليس مِن قداسةٍ خارج مَن هو قدوس؛ وهذا الأخير هو واحدٌ. وليس مِن قداسةٍ خارج يسوع المسيح الذي عرَّفنا على مَن هو القدوس؛ ليس مِن قداسةٍ سوى مع مَن يُقدِّس القديسين.

بالأمس، لقد شهِدَ التاريخ لقداسة أبنائه. اليومَ، ينظُر التاريخ إلينا بعينِ القداسة لنتقدَّس نحن أيضاً ونقدِّس الآخرين. غداً، ستتكلُّ رؤوس البشر بأكاليل القداسة التي نمهِّدُها لهم بقداستنا.

نعم، أنا وأنت، نحن وهم جميعنا مدعوين لنعيش رسالتنا على هذه الأرض، بحسب طريقة وأسلوب كلِّ واحدٍ منّا، لأنَّ سُبُل الله هي واحدة بالرغم من تنوعها. يمكننا أن نُبصِرَ النورَ الحقيقيّ عندما نسلكُ طريق الخلاص والقداسة التي رسَمَنا إياه الله بذاته، من خلال شخصيتنا، طبعنا، اختلافنا وتنوعنا.

هذه هي دعوتي ودعوتك.

لذا عيد جميع القديسين، ما هو إلا وقفة مع الذات بخصوص قداسة كلِ واحدٍ منَّا.