بعد إقرار ملفين أساسيين من ملفات ​الجامعة اللبنانية​، وأعني هنا ملفي التفرغ وتعيين عمداء بالأصالة، أصبحت الكرة اليوم في ملعب أهل الجامعة من عمداء وأساتذة وأداة نقابية في إدارة شؤونها من حيث الإنكباب على تطويرها وتحسين أدائها وصورتها لتبقى رائدة وفي طليعة المؤسسات التربوية التي تعمل على صقل المواطن. فكل فرد من أفراد الجامعة أصبح اليوم مؤتمناً على إنجاح مسيرتها وإعلاء شأنها، فقد أُلقي على عاتق كل أستاذ مسؤولية تطويرها والحفاظ عليها للمستقبل.

فعلى كلّ فرد في الجامعة المساعدة كلٌّ حسب عمله ووضع إمكانياته وخبراته في تصرفها، إذ إنّ الجامعة يجب أن تكون المكان الوحيد والفعلي لوضع الأفكار وبلورتها ومن ثمّ نشرها بما يتماشى مع المصلحة الوطنية العليا وبما يثبت دورها الجامع وبما يتلاءم مع رسالتها الوطنية الجامعة. إنّ التعليم الجامعي ودور الجامعة لا يقتصر على إيصال العلم وإعطاء الدروس للطلاب فقط، بل يتعداه ليشمل تطوير الانسان من الناحية التثقيفية والأخلاقية وتدريبه على المواطنة التي نحن بأمسّ الحاجة إليها في هذه الفترة التي يمر بها لبنان. هذا ما ذكره وأسهب في شرحه رئيس الجامعة الدكتور عدنان السيد حسين في كتابه "المواطنة...أُسسها وأبعادها"، حيث أعطى دراسة قيمة يمكن التأسيس عليها والإنتقال بها الى التطبيق العملي والفعلي.

على الجامعة اليوم أن تكون كخلية نحل لا تهدأ وعلى أهلها أن يكونوا دائمي الحركة في البحث عمّا هو مفيد للطلاب وللجامعة وللوطن ككل. فهذه الجامعة هي المنبر الوحيد والمكان السليم المتبقي في هذا الوطن المنهك بأزماته، الذي بمقدورنا أن ننطلق منه لترميم ما تهدّم وإيصال ما تقطّع بين اللبنانيين وأن يكون هذا الصرح نقطة الإتصال بين الجميع. فعلى الجامعة أن تكون نموذجاً يُحتذى به. من هنا، يكون دورنا كأساتذة وطلاب في الاضاءة على الدور الحضاري التي تلعبه جامعة الوطن، كل الوطن، بدل التصويب عليها والإيحاء أن هذه المؤسسة مثلها مثل بعض مؤسسات الدولة التي ينخرها الفساد. إن الجامعة اللبنانية وبالرغم من كل الصعوبات التي مرّت وما زالت تمرُّ بها، إن كان من حيث الإساءة إليها والعمل من قبل البعض على تشويه سمعتها أو حتى من حيث العمل على تقليص دورها الجامع وعبر تقليص موازنتها، تبقى وستبقى المؤسسة الديمقراطية الوحيدة المتبقية في هذا البلد، إذ إنّ معظم المواقع فيها لا تُملأ عبر التعيين وإنّما تُملأ عن طريق تنظيم إنتخابات حرّة ونزيهة في كل كلية وفرع.

لعلّ أبرز ما قامت به الحكومة الحالية من إنجازاتٍ هو إقرار ملفات الجامعة. لذلك، على مجلس الجامعة الجديد ورابطة الأساتذة المتفرّغين تحديات كبيرة وعليهما العمل معًا بشكلٍ متكامل لكلّ ما هو خير ويصبّ في مصلحة الجامعة، كما عليهما العمل على استرداد الحقوق والصلاحيات المسلوبة ومن أهمّها إلغاء القرار 42/97 القاضي بمصادرة قرار مجلس الجامعة ووضعه في يد مجلس الوزراء منذ العام 1997. أضف الى ذلك، على المجلس والرابطة البدء بورشة من الإصلاحات عبر العمل على تطوير وتحديث القوانين الداخلية للجامعة بما يتماشى مع متطلبات التعليم العالي الحديث. كما يجب العمل على عدة مسارات وأهمها:

1ـ العمل على التوظيف في الجامعة، بما يسهل العمل الإداري ويجنب الوقوع في الروتين اليومي للادارة، اذ ان الجامعة في تطور مستمرّ وأعداد الطلاب وبالتالي الأساتذة إلى تزايد.

2ـ العمل على تحديث المناهج بشكل مستمرّ بما يتماشى مع سوق العمل من جهة وبما يسهّل على الطلاب متابعة دراستهم في الخارج.

3ـ البحث عن موارد للتمويل وبما أنّ الدولة قد إقتطعت من موازنة الجامعة. من هنا فإنّ القيمين على الجامعة مطالبون بالعمل على تأمين مصادر تمويل لضمان الإستمرارية والتقدم في الأبحاث العلمية إن كان عبر زيادة رسوم التسجيل أو عبر الإنفتاح على القطاع الخاص وإشراكه في تمويل الأبحاث بما يعود بالمنفعة على الطرفين، عدا عن تأمين فرص عمل للمتخرجين.

4ـ العمل على إستكمال وبناء المجمعات الجامعية اللائقة، بما يليق باسم الجامعة اللبنانية وبأساتذتها وطلابها وموظفيها.

5ـ على رابطة الأساتذة المتفرغين المحافظة على الحقوق المكتسبة للأساتذة والعمل على تحصيل ما أمكن من حقوق والدفاع عن صندوق التعاضد عبر زيادة موازنته.

إذاً المطلوب اليوم كثير والتحديات كبيرة والأهمّ هو وضع خطة كاملة متكاملة يرسمها ويخطط لها أهل الجامعة أنفسهم، فهم أدرى بمتطلباتها وحاجاتها. فالجامعة غنيّة بالعقول المدبرة ولديها كل الإمكانيات لأن تبقى وتستمرّ.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية