من حق الناس التظاهر والاعتراض والمطالبة بحقوقهم المهدورة. من حق المواطنين رفع الصوت ضد العابثين بملف النفايات، والمستهترين بالشعب. من حق اللبنانيين المطالبة بحياة لا يُذل فيها الانسان على ابواب المستشفيات نتيجة العجز عن دفع الفاتورة الاستشفائية. من حق الناس المطالبة بتأمين فرص العمل لشباب لبناني بات معظمه عاطلا عن العمل. من حق المواطنين رفع الصوت اعتراضا على عدم حل معضلة التيار الكهربائي بعد سنين طويلة من الهدر المالي على قطاع الكهرباء من دون نتيجة، فوُعد الشعب بكهرباء 24 24، ونُظمت الحملات الإعلامية عن تحسين التغذية الكهربائية، فإذا باللبنانيين يترحّمون على ايام الحرب، حينها كان التيار الكهربائي افضل وافعل. اليوم باتت فواتير المولدات الكهربائية تسابق الحد الأدنى للأجور. من حق الناس المطالبة بتأمين الماء دون انقطاع ولا انتظار. حق الشعب الاعتراض على سياسة التجاهل التي يمارسها سياسيون، لا جلسات لمجلس الوزراء ولا لمجلس النواب، لا تشريع ولا اكتراث بمصالح المواطنين. من حق الناس السخط على نظام طائفي قضى على لبنان واللبنانيين من خلال المحاصصات والمحسوبيات والحمايات. حقهم ان يثوروا على سياسيين اختلفوا على سرقة النفايات، فبقيت أكوامها في الشوارع أسابيع بسبب الاختلاف على المغانم والمحاصصة. من حق الناس الّذين يئنّون الماً بسبب الغلاء وارتفاع الاسعار من دون رقابة ولا محاسبة في ظل احتكار التجار. حقهم ان ينزلوا الى الشارع بعد منع قوى سياسية اقرار سلسلة الرتب والرواتب. حق المزارع ان يصرخ بسبب عدم تصريف منتوجاته. حق اللبنانيين ان يقولوا كفى.

حقوق الناس مقدسة. لكن من يوظّف وجع وصدق الناس ولمصلحة من؟ ووفق اي برامج وأهداف؟

هل شعار إسقاط النظام بريء؟ كيف نسقط النظام؟ ما هو المطلوب؟ اي مسار؟ اي مصير؟ هل الدخول في المجهول؟

لبنان الذي يمر في مرحلة الشغور الرئاسي، يستند الى وجود حكومة تحكمه مجتمعة رغم التباين السياسي الذي عطل فعاليتها، فماذا اذا سقطت الحكومة؟ من يسيّر البلد؟ هل المطلوب الدخول في الفوضى؟

الوطنية والواقعية تفرض إجبار السياسين على تلبية مطالب الشعب لا ادخال البلد في المجهول، كي لا يكون المواطن هو الضحية مرة ثانية.

اتهامات رُوّجت، وكلام قيل عن دور لناشطين كانوا يصنّفون في خانة اليساريين سابقاً، وصاروا يرتبطون بسفارات غربية وأقاموا دورات تدريبية تحت عنوان "​المجتمع المدني​"، بأنهم يوظّفون مطالب الناس في خدمة اهداف سياسية مدروسة. طبيعة الشعارات والاتهامات السياسية تدعم هذا السيناريو. قد يكون اندفاع "اليساريين" ناتجًا عن رغبة لديهم بتغيير النظام. هذا من حقهم أيضاً. وحدهم لا يستطيعون في تركيبة ومفاهيم لبنانية عقيمة. اثبتوا عجزهم سابقاً. لكن هل يوظّفون الاحتجاجات لأهداف أبعد؟

في السنوات الماضية انطلقت تحركات تهدف الى إسقاط النظام الطائفي. كان الهدف نبيلا. لكن التحرك أُجهض بقوة طائفية البلد. ما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ هل تتوسع المشاركة الجماهيرية لتطال كل المساحات اللبنانية مناطقيا و طوائفيا؟

في لبنان قراءات معمقة الآن: المطالب مشروعة والناس ضاقت ذرعاً نتيجة التجاهل السياسي، لكن التحرك غير المحدد الاهداف والذي يفتقد الى هوية واضحة ويتخبط في اتخاذ القرارات، هل يرمي البلد في أتون الصراع؟ هل اصبح لبنان ضمن معادلة المنطقة الفوضوية عمليا؟ هل تندلع ثورة تجر صراعا ثم ازمة مفتوحة امنيا وسياسيا؟ المؤشرات تجعل كل شيء وارداً. لِم لا؟!

اللافت ان محطة وسط بيروت تتزامن معها ازمة ​مخيم عين الحلوة​، بالتزامن ايضا مع محاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال مشروع صلح بين "حماس" واسرائيل وضرب حق عودة الفلسطينيين وفرض التوطين. كلها عناوين تتسارع على وقع استمرار الازمة السورية.

لا أجوبة واضحة بعد حول أسئلة لا تزال تتردد في بيروت على السنة مفكرين لبنانيين وعرب: هل انتهى النظام اللبناني؟ هل البديل الفوضى لارباك المقاومة في ساحتها الاساسية؟ هل انتهى دور قوى 14 اذار وتسعى عواصم اجنبية لإنتاج بديل شعبوي في لبنان؟ هل يستدرك السياسيون اللبنانيون الازمة ويسارعون الى بت الملفات العالقة من انتخابات الرئاسة الى الانتخابات النيابية والتشريع وبت المطالب بإقرار سلسلة الرتب والرواتب ومعالجة مشاكل الناس والالتفات الى همومهم؟

الصورة ضبابية حتى الساعة. شعارات بالجملة ومزايدات تتوسع. لكن امراً واحداً مؤكد حتى الآن الى ان يثبت العكس: المواطن مطية... المواطن ضحية.