على الرغم من إجماع مختلف القوى السياسية اللبنانية على المخاطر المحدقة بالبلاد، لا سيما على صعيد مواجهة الجماعات الإرهابية، التي لم يعد يقتصر وجودها على بعض المناطق الحدودية، خصوصاً في جرود عرسال، بل باتت حاضرة في الداخل، من خلال مجموعة كبيرة من الخلايا النائمة، التي يتم القبض على عدد منها بفضل الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية المختلفة، تطرح الأسئلة حول موقع لبنان من التحالفات الدولية التي تشكل على وجه السرعة، في المرحلة الراهنة، بعد العمليات التي نجح تنظيم "داعش" الإرهابي في تنفيذها في بلدان مختلفة.

حتى الساعة، لم يملك أي من المسؤولين القدرة على تحديد موقف لبنان الرسمي، لا سيما في ظل الإنقسام السياسي الحاد المعروف في البلاد، بين فريقي 8 و14 آذار، وفي حين يرى البعض أن هناك أجواء إيجابية يمكن الرهان عليها، لا يبدو أنها تشمل ما هو أبعد من الساحة الداخلية، فأساس الخلاف هو على الدور الذي من الممكن أن تقوم به بيروت على مستوى المنطقة، أي على الملفات الإقليمية العالقة، وبالتالي يجب أن تبقى الرهانات على أي تسوية محلية ضمن الحدود المعقولة.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الإنقسام على المستوى الإقليمي والدولي واضح، خصوصاً على صعيد مفهوم الحرب على الإرهاب، ولا ترى أن هناك إمكانية توافق كبيرة بالرغم من مشروع القرار المقدم من الحكومة الروسية إلى مجلس الأمن الدولي، الذي من المفترض أن يتم بحثه خلال وقت قصير، حيث تشدد على أن الأمور ليست بالسهولة التي يتصورها البعض، بسبب الخلافات القائمة حول تصنيف الجماعات الإرهابية من جهة، بالإضافة إلى صراع المصالح بين مختلف اللاعبين الفاعلين من جهة ثانية.

وفي حين تشير إلى فشل القوى اللبنانية في تطبيق ​سياسة النأي بالنفس​، التي تفترض الحياد عما يجري في المنطقة، تعتبر هذه المصادر أن هذه السياسة لم يكن من الممكن أن تنجح في حماية البلاد، حيث هناك أخطار، مصدرها الجماعات المتطرفة، ينبغي التعامل معها بدل التلهي في السجالات غير المفيدة، وتشدد على أن هذه الجماعات ما كانت لتلتزم بالنأي بالنفس طالما وجدت أن لها مصلحة في توسيع رقعة عملياتها العسكرية والأمنية، لا بل هي كانت منذ بداية الأحداث السورية تعمل على الإستفادة من بعض المناطق الحدودية لتأمين حاجاتها التسليحية والمالية، وتسأل: "ما هو الموقف اللبناني اليوم من كل ما يجري، خصوصاً أن بيروت حاضرة في مشاورات فيينا، التي أصبح هدفها الرئيسي مواجهة الخطر الإرهابي؟"

وفي الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​ يزور موسكو، كانت بعض القوى السياسية المنضوية في فريق الرابع عشر من آذار تضع علامات الإستفهام حول المواقف التي يطلقها، لا سيما أن مواقفها معروفة من قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيال التدخل في الحرب السورية، عبر إرسال قواتها العسكرية إلى أرض المعركة، وهي ترى أن هذا الأمر يضاعف من الأزمة لا يساهم في حلها، وتلفت المصادر نفسها إلى أن هذا الموضوع يتطلب إجماعاً وطنياً سريعاً، وتشدد على أنه قد يكون الملف الأكثر إلحاحاً في الوقت الراهن، إلا أنها تعرب عن أسفها لعدم قناعتها بأن الحكومة العاجزة عن رفع النفايات من طرقاتها قادرة على تحديد سياسة خارجية واضحة المعالم، حتى في الملف الأخطر على الصعيد العالمي، أي التهديدات الإرهابية.

من وجهة نظر هذه المصادر، الحل ربما يكون من خلال صدور قرار موحد عن مجلس الأمن، يتعلق بتشكيل جبهة عالمية لمحاربة التنظيمات المتطرفة، الأمر الذي يفرض على جميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة دعمه بكافة السبل الممكنة. أما في حال الفشل في ذلك، فترى أنّ هناك تداعيات محتملة على الصعيد الداخلي اللبناني، قد تنطلق من الواقع القائم منذ أشهر طويلة لجهة غياب الموقف الرسمي الواضح والموحّد، بحيث يلتزم كلّ فريق بالإصطفاف الإقليمي والدولي الذي يراه مناسباً. لكنّ المصادر تجزم بأن التعامل مع الخطر الداهم في ظل إنقسام وطني أمر لن يصب في خانة تعزيز الأمن والإستقرار.

في المحصلة، المنطقة مقبلة على مجموعة من التحولات الكبرى، التي ستتطلب مواقف واضحة من السلطات اللبنانية، تبدو عاجزة حتى الساعة عن بلورتها بسبب الإرتباطات المختلفة لدى أغلب الأفرقاء.