تـُجرى مشاورات بعيدة عن الأضواء على غير مستوى، وبين أفرقاء عديدين سواء أكانوا من ضمن الصف الواحد أم من ضمن الصفين المتصارعين، واللذين بات كل منهما مهدّداً في وحدة صفه، بل وربما في مدى إستمراريته وفاعليته على المدى غير البعيد كثيراً.

وفي التقدير أنّ ترشيح النائب سليمان فرنجية قبل ترشحه (أي إقدام آخرين على ترشيحه قبل أن يعلن ترشح نفسه للرئاسة) قد يكون يستهدف رجرجة هذا «البلوكاج» الذي يشل البلد منذ عشر سنوات على الأقل.

أصحاب هذا الرأي يقولون: إنه إذا لم يكن لترشيح نائب زغرتا سوى هذا «الفضل» فيكفي لكي يكون تطوراً إيجابياً، ذلك أن إستمرار الحال القياسية في جمودها، وما يترتب عليها من كربجة البلد بشكل شبه تام، إن لم يكن تاماً فعلاً، لم يعد مقبولاً إضافة الى أنه لم تعد ثمة قدرة على المزيد من التحمل.

هؤلاء الذين يطلعون بهذا الرأي يضيفون أنهم يقولون ما تقدم في منأى عن رأيهم في ترشيح رئيس تيار المردة: مع أو ضدّ. ويزيدون: إنما في المطلق باتت الحاجة أكثر من ضرورية لإيجاد خرق في هذا الجدار الصفيق الذي نتج عنه تدهور لبنان الى قعر اللوائح العالمية في الميادين كلها تقريباً... وحتى في مجال النفايات التي كشفت عورات وعورات.

أما كيف يكون هذا الخرق - الضرورة؟ فالجواب انه في المطلق يكون بانتخاب رئيس للجمهورية. كيف؟ ببروز بضعة مرشحين يكون بينهم إثنان جديان على الأقل، ومن ثم فلتأخذ العملية الديموقراطية مداها. وإلاّ فإنّ كل الدلائل المتوافرة تنذر بأننا ماضون نحو إنحدار لا قعر تحته فيما المنطقة تغلي بالحروب وبمشاريع الحلول في آن معاً. وليس للبنان (في وضعه الحالي) قدرة على مواجهة الحروب ولا، أيضاً، على تقبل الحلول التي تفرض عليه من الخارج. لأن الأولى، أي الحروب، من شأنها أن تنهي آخر مقوماته، وأما الحلول فلن تقل ضرراً وأذية إذا لم تكن منبثقة من الإرادة الوطنية الجامعة.

ويعود هؤلاء الى ترشيح النائب سليمان فرنجية فيلاحظون أن الرجل المعروف بصدقه وصراحته المعهودين قد ألزم نفسه بتعهد كان في غنى عنه عندما تحدّث، إثر جلسة الحوار الأخيرة، بأن الترشيح كان جدياً وهو ينتظر ترشيحاً رسمياً حتى يقرر موقفه (... المقرر طبعاً)، مضيفاً أنه لا يزال في 8 آذار وأنّ مرشح هذا الفريق هو العماد ميشال عون.

والسؤال الجاد الذي يطرح ذاته هو: ماذا لو لم يأت الترشيح الرسمي؟ (والمقصود أن يعلن الرئيس سعد الحريري علناً أنه يرشح فرنجية) فهل يعلن فرنجية أنه غير مرشح؟

والشق الثاني من السؤال ماذا لو افترضنا جدلاً أن الرئيس سعد الحريري رشحه رسمياً؟ (أي بإعلان مباشر)... ألا تقوم قيامة المسيحيين الآخرين (تحديداً ثلاثي عون - جعجع الجميل) و»المستقلين» تحت بند عريض: إنهم يفرضون علينا الرئيس؟!

إنه المأزق.

ولكن، استدراكاً : هل ان الذي، أو الذين رشحوا سليمان فرنجية فاتهم هذا الأمر؟!

القضية تحتاج الى المزيد من الأيام، لمزيد من البحث والتشاور والتفاوض على «سلّة الحلول الشاملة»، إذ يسعى كل طرف الى تعزيز موقفه بشروط قد يكون بعضها عرقوبياً.

ولكن ثمة ما لا يمكن تجاهله وهو أن ترشيح فرنجية ليس مناورة وليس قنبلة صوتية، واعتباره كأنه لم يكن هو خطأ جسيم. فالرجل ليس من الذين يمكن المزاح معهم.