733 يومًا بالتمام والكمال. 733 يومًا لا يليق بها قول “وكأنها البارحة”، بعدما مرّت ثقيلة على قلوب اللبنانيين. وكأني بالقدر أراد أن يزامِن أعياد الشغور السنوية مع ذكرى التحرير، وهو أكثر ما تحتاجه الرئاسة الأولى التي غدا الشغور عدوّها المُحتلّ.

25 أيار 2000 حققت المقاومة انتصارًا على العدو. 25 أيار 2013 انطلق درب جلجلة الرئاسة اللبنانية مع كثير من التخبطات والانهزامات. في ذاك اليوم احتلّ الشغور قصر بعبدا وما وُجِدت مقاومةٌ واحدة لطرده تماهيًا مع فرضيّة تسليم الجميع به لا بل انشراحهم لوجوده.

2015... شطران

سنتان من الشغور من دون اختمار أي مؤشراتٍ تشي بأن نهايته قريبة. سنتان لم تحمل الأولى منهما طروحًا جديّة يُبنى عليها فيما عجّت الثانية بمفاجآت رئاسية من العيار الثقيل لم تفضِ الى أي ثمارٍ ملموسة. بقي قصر بعبدا أسير شغورٍ عُقِدت في مسعى لطرده 39 جلسة متشابهة حدّ الاستنساخ: لا نصاب ومجرّد دردشات وملامات. سنتان لم تمرّا كالحلم بعدما وجدت الحكومة نفسها غير أمينة على صلاحيات الرئيس المنقولة اليها، فبدت أشبه بثقلٍ إضافي يكرّس التنافر عوض أن يخفّف من حدّته في بلد المؤسسات المعطّلة. سنتان من الشغور ماذا أنتجتا سوى تسوياتٍ متهاوية؟ سنتان من الشغور ماذا حملتا من جديد للرئاسة الأولى التي اعتاد السياسيون ومعهم اللبنانيون على شغورها من دون أن يستشعروا فارقًا بين وجود الرئيس وعدمه وهنا خطورة الأمر؟

أمّ المفاجآت...

في حال تجاوز العام 2014 والنصف الأول من العام 2015 اللذين لم يحملا سوى دعواتٍ متكررة من الصرح الماروني الى انتخاب رئيس في أسرع وقتٍ ممكن، حمل النصف الثاني من العام 2015 أمَّ المفاجآت التي سرعان ما أخمدها الثلث الأول من العام الجاري. مبادرتان لم تبصر أيٌّ منهما النور: تسوية الرئيس سعد الحريري القائمة على ترشيح سليمان فرنجية وهي التي تلاشت رغم أن فرنجية لا يزال يعتبر نفسه مرشحًا لمشروع رئيس؛ وتبنّي الدكتور سمير جعجع ترشيح العماد ميشال عون وهو الذي تعطل عند أعتاب بيت الوسط بعدما تبيّن أن الفيتو السعودي على عون ما زال قائمًا منذ محاولات التلاقي السالفة. اليوم تترنح الأمور بين مرشّح صوَري ولكن رسمي وهو هنري حلو يتوجّه النواب مكرهين الى المجلس من أجله، ومرشّح رسمي في حسابات معراب ولكنه ليس كذلك في حارة حريك وهو العماد عون الذي يكثر دعمه نظريًا لا فعليًا وحتى من فرنجية نفسه الحريص على أن يبقى عون مرشحًا أوّل في صفوف 8 آذار، وأخيرًا مرشح ثالث غير رسمي (فرنجية) ولكنه طامحٌ هو الآخر الى الرئاسة بعد تصفية الحسابات والقلوب مع آل الحريري وحلفائهم وما تحالفه بلديًا مع آل معوّض في زغرتا سوى خير دليل على مثل هذه الانعتاقة الناعمة من المعسكر السياسي المحسوب عليه.

الأولوية الى أين؟

لا يقف الجدال الرئاسي عند نقطةٍ باهتة يرتقي بها أبناء بيت الوسط وحلفاؤهم رغم يقينهم بأن الأمور لا تسير على هذه الشاكلة ألا وهي وضع الحلّ في سياق نزول النواب الى المجلس لانتخاب رئيس بكلّ بساطةٍ. مقاربة يقزّمها العونيون تحديدًا لمعرفتهم بأن قرار “المستقبل” نفسه ليس في يده بل ينطوي على إيعاز سعودي بالإيجاب أو النفي. وعليه، لم يعد النقاش بالنسبة الى الرابية ومعراب يتعلق بشخص العماد عون للرئاسة بقدر ما نُقِل الى مكان آخر في سلّم الأولويات وتحديدًا الى ثانوية الاستحقاق الرئاسي أمام أولوية إنتاج قانون انتخابي عادلٍ يُنتخَب على أساسه برلمان جديد شرعي يكون مخولاً انتخاب رئيس للبلاد. ويتعزز هذا السيناريو في كواليس 8 آذار والقواتيين بعدما أسقطت الانتخابات البلدية كل الذرائع التي تقف وراء تأجيل الانتخابات النيابية. علمًا أن هذه الأولوية لا تتماهى مع إصرار “المستقبل” على انتخاب رئيس أولاً والعودة الى قانون الانتخابات، وهو ما لا تسير سفن برّي في اتجاهه مع إطلاق عجلة اللجان المشتركة لبحث القانون المناسب للمرحلة المقبلة.

لفرنسا البصمة الكبرى

لم تغِب بكركي طوال سنتين عن استحقاقها الأوّل، ولا وفّر سيدُها مناسبة لاستعجال انتخاب الرئيس بأيّ ثمن، حتى إن الجمود حدا به الى الفاتيكان الذي شغّل سفراءه حول العالم لإنهاء هذه القضية. ومع ذلك، بقيت لفرنسا البصمة الأكبر في هذا المجال مع تدخّل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند شخصيًا في الاستحقاق يوم قصده بعض زعماء لبنان وكاردينالُه ويوم حلّ هو ضيفًا على المسؤولين المحليين. وقد يحمل إرجاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك أيرولت الى لبنان الى 10 و11 تموز المقبل مزيدًا من المؤشرات الى استمرار الستاتيكو في هذا الملف الى أجل غير مسمّى من دون أن يرفّ لأحد جفن.

... ولا من يسأل

سنتان من الشغور خرقه في ثانيتهما “قلقٌ” ممجوجٌ من مجلس الأمن لا يقدّم ولا يؤخّر. سنتان يطفئ شمعتهما قصر بعبدا وحيدًا بلا زوّار فيما ينتشي آخرون خارجه بصلاحياتٍ ما هي لهم ومع ذلك آلت إليهم فلم يجيدوا إدارتها. سنتان لم تمنح أيٌّ منهما أفضلية لمرشّح على آخر رغم الزخم الذي اكتسبته مفاجأتا أواخر العام 2015. سنتان ولا من يسأل عن رئاسةٍ يطمسها قانون الانتخاب ويتناساها حتى الساعون اليها ليقينهم بأن أيّ صيغة لن تفلح ما لم تُستورَد مكوّناتُها من الخارج ليتظاهر “الجهابذة” المحليون بأنهم هم طُهاتُها... ولن يكونوا!