ماذا كان يحضر الإرهابيون في مخيمات عرسال للاجئين السوريين؟ إنقضّ ​الجيش اللبناني​ في عملية بطولية استباقية على الإرهابيين، وأفشل مخططات كانت تُعد لإحداث تفجيرات في مناطق لبنانية عدة. لم يكن وجود الارهابيين جديدا في مخيمات عرسال. هم تواجدوا منذ سنوات. كانوا مع غيرهم يشاركون في القتال ضد الجيش والمقاومة في معارك الجرود الشرقية، ويعودون الى مخيماتهم وعائلاتهم ويتلطون باللاجئين. في عقيدة هؤلاء الجهوزية الدائمة للانتحار، لمنع وقوع انفسهم في قبضات القوى العسكرية والأمنية. في الاونة الاخيرة ازدادت التباينات بين هؤلاء الارهابيين، ودارت اشتباكات بين المجموعات، وخصوصا بين "داعش" وجبهة "النصرة". ساهمت تلك التطورات الميدانية في كشف هويات مسلحين بالجملة، فخرقت الاجهزة الاستخباراتية صفوفهم، وكوّنت ملفات كاملة عن مجموعاتهم، ورصدت تحركاتهم قبل ان تنقض عليهم فجأة.

نجح الجيش اللبناني بالعملية الاستباقية البطولية التي نفذها في عرسال. لكن هل أن الخطر ما زال قائما على لبنان؟.

قيل ان هناك خشية من هروب مسلحي "داعش" من سوريا والعراق نحو لبنان، بعد هزيمة التنظيم في البلدين المذكورين. خصوصا ان "لا مكان متوافرا للمسلحين سوى مخيمات فلسطينية يستطيعون الاختباء فيها بالمفرق، او ضمن مخيمات اللاجئين السوريين الموزّعة تحديدا في الشمال والبقاع". تلك فرضيات تم بحثها عسكريا وسياسيا، مقرونة بأسئلة: هل يمارس الارهابيون ادوارهم الإجرامية في لبنان؟ أم يختبئون لتمرير المرحلة من دون أي دور تخريبي؟ وهل تستطيع المخيمات استيعاب الاعداد التي يحكى عنها؟.

كل المعطيات تشير اولا الى ان تنظيم "داعش" لم يصل الى مرحلة الهزيمة الكاملة في سوريا والعراق. لا تزال مساحات واسعة تحت سيطرة التنظيم في صحراء شاسعة تمتد عمليا الى السعودية و الاردن. يشكل الامتداد الجغرافي الطبيعي عاملا اساسيا في هروب المسلحين لاحقا الى تلك المساحات لا المجيء الى لبنان. ليس بمقدور المخيمات استيعاب المزيد من المسلحين، وخصوصا المخيمات الفلسطينية التي يزداد فيها النشاط الامني ويُرفع الغطاء عن الارهابيين المتواجدين اساسا في تلك المخيمات. استنادا الى المحطات الماضية، لا يعتبر "داعش" لبنان "ساحة جهاد"، بل "ساحة نصرة"، بمعنى ان لبنان بالنسبة الى التنظيم مساحة لتأمين الحاجيات لا للتفجير والاستهداف. فالشبكات الارهابية التي تتواجد في لبنان هي شبكات لوجستية، بدليل ان المقاتلين اللبنانيين في صفوف "داعش" يذهبون لأداء ادوراهم الميدانية في سوريا والعراق، بينما تقتصر اعمالهم في لبنان على التواصل وتكوين الشبكات والإعداد. هذا لا يعفي من وجود اعمال ارهابية تستهدف لبنان، غير انها محدودة نسبيا ولها أطر معينة.

تطورات الساحتين السورية والعراقية تفرز مزيدا من الهروب المسلح تدريجيا نحو الصحراء الواسعة. كما فعلت "القاعدة" يوم تعرضت لانتكاسة كبرى في العقد الماضي. يستطيع الارهابيون بسهولة الاختباء في صحراء مصر والسعودية والاردن وصولا الى ليبيا ودول مغربية. مساحة لبنان لا تسمح للدواعش بالتلطي. خصوصا ان الارهابيبن يستهدفون دولا غربية، هي الاقرب جغرافيا الى ليبيا مثلا، كما الحال بالنسبة الى اوروبا.

واذا كان ​تنظيم داعش​ على طريق النهاية في "سوراقيا" (العراق و سوريا)، فالتنظيم لا يزال يملك القدرة والتحكّم في سيناء مصر و نيجيريا مثلا ودول أخرى. هناك سيطرة لمجموعات بايعت "داعش" وهي قادرة على استضافة مقاتليه.

لا قلق على لبنان مقارنة بحجم المخاطر الارهابية القائمة على دول غربية. يُصبح لبنان فعلا لا قولا من اكثر الدول امانا واطمئنانا. خصوصا ان قواه العسكرية والأمنية ساهرة. تتكامل الادوار بين الجيش والامن العام تحديدا. جهازا المخابرات في الجيش وادارة الامن العام يحققان إنجازات مهمة على صعيد محاربة الإرهاب يفوق ما تُنجزه دول عظمى. العملية الاستباقية في عرسال هي دليل واضح، في وقت يعلن الامن العام بشكل شبه يومي عن القاء القبض على متورطين بالتواصل او العمل مع الارهابيين. هذا العمل يُطمئن اللبنانيين مقيمين ومغتربين، ويشجع السياح للمجيء الى لبنان.