بخلاف بعض الدول الأخرى، قد لا يكون مفهوم "التعديل الوزاري" من المفاهيم المتعارَف عليها في لبنان، إذ لم يسبق أن شهدت الحكومات المتعاقبة، أقلّه في التاريخ الحديث، أيّ تغييرٍ في هيكليّاتها أو وزرائها، خلال ولاية الحكومة، إلا في بعض الحالات النادرة، التي كان يستقيل فيها بعض الوزراء من تلقاء أنفسهم، كتعبيرٍ عن امتعاضٍ أو شكوى من سلوكٍ أو تصرّفٍ معيّنين.

ولكن، أن تسرّب بعض الأوساط نيّة تيارٍ سياسيّ إجراء تعديلاتٍ على أسماء الوزراء المحسوبين عليه، خصوصًا بعد أن يكون قد خاض المعارك القاسية لتسميتهم في الأساس، وهي معارك سبق أن أطاحت ببعض الوجوه خارج أحزابها، فهو أمرٌ جديدٌ من شأنه أن يثير الكثير من الالتباس لدى الرأي العام، فما مدى صحّة ودقّة هذه التسريبات؟ وما الأهداف من ورائها في هذا التوقيت بالتحديد؟ وهل يمكن أن تتحوّل فعليًا إلى حقيقة؟.

لا دخان بدون نار...

لا دخان بدون نار. قد تكون هذه المقولة الأكثر تعبيرًا عن حقيقة ما يُحكى في الكواليس السياسيّة عن تعديلٍ وزاريّ مرتقب، كان عضو تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ​آلان عون​ أول من أثاره في حديثٍ صحافي، وإن حرص بعد ذلك على القول أنّ تصريحاته فسّرت خارج موضعها، وتمّ تأويلها بما لا تحتمل، وأنّه أصلاً كان يتحدّث في العموميّات.

في الواقع، يبدو أنّ الفكرة مطروحة بالفعل، على الأقل بالنسبة لـ"التيار الوطني الحر"، خصوصًا في ظلّ ما يتمّ تناقله عن "امتعاضاتٍ غير خفيّة" من أداء بعض الوزراء بدأ صداها يرتفع، علمًا أنّ ما يعزّز هذه النظرية أنّ أسماء الوزراء "المستهدَفين" و"المقصودين" بدأت تتسرّب هي الأخرى، ويتصدّر القائمة وزير الاقتصاد ​رائد خوري​، الذي يقول بعض "العونيين" أنّه خيّب الآمال المعقودة عليه ولم يلبّ "الطموحات"، علمًا أنّ وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​، على ذمّة هذه المعلومات، كان أصلاً من المعارضين لتسميته.

وإلى جانب خوري، يبرز اسما وزير الدولة ل​مكافحة الفساد​ ​نقولا تويني​، ووزير الدفاع يعقوب الصراف، وإن بوتيرةٍ أقلّ، ويذهب البعض لحدّ تسمية ممثل "​الطاشناق​" وزير السياحة أواديس كيدانيان بين الأسماء "المغضوب عليها". وفي حين لا تبدو المآخذ "العونية" كبيرة على كلّ من الصراف وكيدانيان، فإنّ تويني يبدو "ضحية" وزارة الدولة بدون حقيبة التي استلمها، خصوصًا أنّها أعطيت اسمًا لمّاعًا كبيرًا هو "مكافحة الفساد"، من دون أيّ آليّةٍ واضحة لإدارتها أو مقاربتها، هو الذي لا يمتلك صلاحيات واضحة وحازمة تعينه على مكافحة آفةٍ مستفحلة في الجسم اللبناني، بحجم الفساد.

وعلى الرغم من التراجع الذي رُصِد "عونيًا" على كون "التيّار" هو عرّاب فكرة "التعديل الوزاري"، مع خروج قياديّين فيه للقول بأنّ لا شيء من هذا القبيل مطروحًا على الطاولة عمليًا، وأنّ اجتماعات تكتل "التغيير والإصلاح" لم تتطرّق لهذا الأمر من قريبٍ أو من بعيد، بخلاف ما أشيع، لا يخفى على أحد أنّ الأمر مرتبطٌ إلى حدّ كبير بالتباينات الحاصلة مع "​القوات اللبنانية​"، التي يبدو أنّ سجلّها الحكوميّ "تفوّق" على سجلّ "التيار". وهنا، لا ينكر "العونيّون" أنّ "القوات" استطاعت، من خلال البروباغندا الإعلاميّة التي اعتمدتها، أن تسجّل "تقدّمًا" على "التيار" على الصعيد الحكوميّ، حيث يشيد جميع الأفرقاء، بمن فيهم خصوم "القوات"، بوزرائها، باعتبار أنّهم يتصرّفون كرجال دولة، ولا مآخذ عليهم على الإطلاق، وهو ما يحزّ في نفس "التيار"، لأنّه لا ينطبق على وزرائه، أقلّه في نظر الآخرين، رغم أنّه كان هدفه أصلاً منذ دخوله العمل الحكومي قبل سنوات.

حسابات انتخابية؟!

بعيدًا عن أسماء الوزراء "المستهدَفين" بالتعديل الوزاري المطروح، وعن إمكانية تلقف الفكرة من قبل أفرقاء آخرين، قيل أنّ "​الحزب السوري القومي الاجتماعي​" قد يكون من بينهم، فإنّ الأكيد أنّ السبب الذي اعتمده البعض لتبرير الأمر للوهلة الأولى، وهو وجود نيّة لدى بعض الوزراء بالترشح للانتخابات النيابية، ليس أكثر من "ذريعة" لا يمكن أن تنطلي على أحد.

ولعلّ السبب الأساسي الكامن خلف ذلك هو أنّ الحكومة، حين تشكّلت، كان تنظيم الانتخابات على جدول "أجندتها"، ربما أكثر بكثير من واقعها اليوم، والكلّ يذكر كيف أنّ رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ وصف الحكومة في يوم التشكيل بأنّها "حكومة انتخابات"، ليس إلا، وقد لامه البعض على ذلك، باعتبار أنّ هناك أولويات أخرى يجب أن توليها الحكومة اهتمامها. وأكثر من ذلك، فإذا كان الترشح للانتخابات هو الحُجّة للتعديل الوزاري، قد يصبح الأولى تغيير الحكومة عن بكرة أبيها، خصوصًا أنّ معظم الوزراء مرشحون محتملون للانتخابات، بدءًا من رئيسها سعد الحريري، وصولاً إلى رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل، ومن بينهما.

وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن لأحد أن ينكر أنّ "الحسابات الانتخابية" ليست غائبة أبدًا عن فكرة "التعديل الوزاري"، بل إنّ الامتعاض من أداء بعض الوزراء مرتبطٌ بهذه الحسابات قبل أيّ شيءٍ آخر، خصوصًا أنّ الحسابات التي أملت تسمية الوزراء في الحكومة تغيّرت بعد صدور ​قانون الانتخاب​، بمعنى أنّ ما قبل صدور القانون النسبي، أو قانون الصوت التفضيلي كما يحلو للبعض توصيفه شيء، وما بعد ذلك شيءٌ آخر بالمُطلَق، مع انقلاب الصورة الانتخابية، واختلاط حابل التحالفات بنابلها. وخير دليل على ذلك أنّ الأسماء الثلاثة المسرّبة بوصفها "مغضوبًا عليها" عونيًا تنتمي لطائفة الروم الأرثوذكس، ما يوحي وكأنّ "التيار" يسعى، من خلال ذلك، لترتيب وضعه على الساحة الأرثوذكسية بشكلٍ خاص، خصوصًا في ضوء التقدّم القواتي على هذا الصعيد.

ولكن، وأبعد من كلّ هذه التفاصيل والحسابات، فإنّ الترجيحات تستبعد أن تترجم الضجّة حول "التعديل الوزاري" بما هو أبعد من رسالة الضغط، التي قد تكون أصلاً الهدف الأساسي من وراء التسريبات غير البريئة ولا العفوية، ولا مبالغة في القول بأنّ هذا الهدف قد تحقّق من خلال شعور العديد من الوزراء بـ"السخونة"، كما يُقال، ما يؤكد صحّة ما يُحكى عن "حثّ" هؤلاء الوزراء على المزيد من الإنتاجية، لتفادي كأس التعديل المرّ، والبقاء بمنأى عنه قدر الإمكان. أما تحويل التعديل إلى أمر واقع، فدونه عقباتٌ كثيرة، أولها دستورية وقانونية، باعتبار أنّ التطبيق يحتاج إما لاستقالة الوزير من تلقاء نفسه، أو الإقالة بأكثرية الثلثين، وهو ما قد يفتح المجال أمام سجالاتٍ واشتباكاتٍ داخل الأحزاب نفسها ليس الوقت الحاليّ ملائمًا لها، ولا شيء يمنع في هذا السياق تكرار تجربة حزب "الكتائب" في الحكومة السابقة، حين قرّر الاستقالة، ولم يستجب لرغبته سوى وزير واحد من أصل ثلاثة. وهنا، لن يكون كافياً أن يقرّر "التيار"، مثلاً، إخراج أحد وزرائه من "جنّة الحكم" ليقدّم الأخير استقالته طوعًا، ولا شيء في القانون يجيز للتيار الذي سمّى وزيراً محدّدًا في منصبٍ معيّن أن يستبدله متى شاء، وكأنّ شيئاً لم يكن.

فتش عن الانتخابات...

هي الانتخابات إذاً، وقد باتت تتحكّم بكلّ شيءٍ قبل أكثر من عشرة أشهر من موعدها المبدئيّ. ولأجل هذه الانتخابات وفي سبيلها، يبدو أنّ بعض الأحزاب لن تتردّد في تشريع كلّ شيءٍ لنفسها، سواء كان متعارفاً عليه، أو مبتكراً.

قد لا يبصر "التعديل الوزاري" النور، وقد يكون الهدف من افتعال الضجّة حوله في هذه المرحلة، "جسّ النبض" ليس إلا، ولكنّ الأكيد أنّ مرحلة التحضير للانتخابات بدأت، ولا شيء غيرها سيشغل الطبقة السياسية لأشهر وأشهر...