منذ سنوات تعمل جهات سياسيّة مُختلفة على تمرير قانون عفو يشمل عشرات آلاف الأشخاص بين مسجونين ومحكومين غيابيًا وحتى فارين إلى خارج ​لبنان​، لكن ولأسباب مُختلفة بقي هذا الملف عالقًا حتى تاريخه. فهل نضجت "طبخة" تمرير القانون حاليًا؟

بحسب المَعلومات المُتوفرة إنّ العمل قائم على أكثر من خط لإنجاح مسألة تمرير قانون العفو هذه المرّة، حيث تُوجد مُحاولات جدّية لأن يُقرّ القانون المذكور قبل السادس من أيّار المُقبل، أي قبل موعد إجراء الإنتخابات النيابيّة، ليكون الأمر بمثابة "رشوة" إنتخابيّة لعائلات الكثير من المسجونين والمحكومين. ولولا الخلافات السياسيّة التي إستجدّت بين بعض أركان الحُكم، ولولا بعض التباينات بشأن الإستثناءات التي يجب أن يشملها قانون العفو خاصة بالنسبة إلى من يُحاكمون تحت خانة "​الإرهاب​"، لكانت مسألة إقراره قد تمّت اليوم قبل الغد. إلا أنّ هذه الخلافات والتباينات التي ظهرت قد تؤدّي إلى تأجيل حسم هذا الملف مرّة جديدة، وإلى تأجيله إلى مرحلة لاحقة تكون فيها الظروف العامة مُؤاتية أكثر لإقراره. إشارة إلى أنّ قانون العفو الذي تتواصل الأعمال على تفاصيله بعيدًا عن الإعلام، يُركّز على أربع فئات أساسيّة، هي:

أوّلاً: الفئة الأكبر التي سيطالها قانون العفو المُرتقب تشمل نحو 48000 شخص، الجزء الأكبر منهم ينحدر من مُحافظة ​البقاع​، وأغلبيّتهم الساحقة غير مسجونين إنّما تُوجد أحكام قضائيّة صادرة بحقّهم غيابيًا، بتهم مُختلفة مثل زراعة الحشيش وبيعه، والترويج والإتجار بالمُخدرات والممنوعات، وتأليف عصابات سرقة وسطو مُسلّحة، والتورّط بعمليّات إطلاق نار، والتعامل بالشدّة والعنف مع ​القوى الأمنية​، وتسويق عملات مُزوّرة والتعامل بشيكات بدون رصيد، إلخ. ويضغط "​حزب الله​" لأنّ يشمل قانون العفو العدد الأكبر من هؤلاء المسجونين والمطلوبين، بهدف طيّ صفحة القطيعة التي يعيشها هؤلاء مع الدولة اللبنانيّة. وسيتم على الأرجح إستثناء كبار تجّار المُخدرات من العفو نظرًا إلى خطرهم الكبير على المُجتمع.

ثانيًا: الفئة الثانية من حيث العدد التي يُنتظر أن يطالها قانون العفو، تشمل نحو 5000 شخص من العائلاتاللبنانيّة التي كانت قد فرّت إلى ​إسرائيل​ في العام 2000، خوفًا على حياتها. ويضغط "التيّار الوطني الحُرّ" بدعم من البطريركيّة المارونيّة لطيّ هذا الملف، بهدف فتح صفحة جديدة مع كل اللبنانيّين تتجاوز ترسّبات الحرب وإرتداداتها. وسيتم على الأرجح إستثناء أي شخص تعامل مع جيش الإحتلال الإسرائيلي، وشارك في أعمال أمنيّة ضُدّ اللبنانيّين، لتأمين عودة الأشخاص والعائلات الذين دفعتهمظُروف الحرب إلى الفرار من لبنان بعدما عجزت الدولة عن تأمين الحماية لهم عندما كانوا بحاجة إليها.

ثالثًا: الفئة الثالثة التي يُنتظر أن يشملها قانون العفو ليست كبيرة من حيث العدد، لكنّ ملفّها هو الأصعب، وبسببه فشل أكثر من مسعى سابق لإقرار القانون المذكور، وقد يفشل المسعى الحالي أيضًا. وهذه الفئة تشمل "المُتشدّدين الإسلاميّين" الذين يُحاسبون ضمن قانون الإرهاب الصادر في 1/11/1985 وعددهم نحو 1300 شخص، مع الإشارة إلى أنّ نصف هؤلاء لم تصدر بحقّه أي أحكام قضائية بعد. ويضغط "تيّار المُستقبل" مدعومًا من ​دار الفتوى​ ومن العديد من الشخصيات والهيئات الإسلاميّة، لأن يشمل قانون العفو أكبر عدد مُمكن من "الإسلاميّين"، وفي حال لم يتمّ التجاوب لهذه الضُغوط فإنّ كل "قانون العفو" سيبقى بحكم المُؤجّل إلى مرحلة لاحقة. وسيتم على الأرجح تقسيم ملفّات هؤلاء إلى فئات عدّة ودراسة كل ملف على حدة، بحيث يجري إستثناء كل من تورّط بأعمال إرهابية أو ​جرائم قتل​ مُثبتة، والإفراج عن الباقين، علمًا أنّ مُحاولات إطلاق المجموعات التي تورّطت في عمليات عسكرية بمُواجهة ​الجيش اللبناني​ لا تزالتلقى مُعارضة واسعة حيث يُوجد رفض كبير لهذه المُحاولات.

رابعًا: الفئة الرابعة تشمل المسجونين والمطلوبين بجرائم عادية، والذين كانوا إستفادوا أصلاً من تخفيض السنة السجنيّة من عام كامل إلى تسعة أشهر فقط، حيث تُوجد مُحاولات للإفراج عن جزء منهم بحجة التخفيف من إكتظاظ السُجون، والحد من تباطؤ المُحاكمات القضائيّة. لكنّ إرتفاع معدّل الجرائم في لبنان (1) جعل الأمور أصعب على مُستوى هذا البند، علمًا أنّه بمُجرد إقرار قانون العفو فإنّالملفّات القضائية المفتوحة لا يُمكن إلا أن تتأثّر بارتدادات القانون المُتساهل مُقارنةبجرائم أقلّ خُطورة.

ومن الضروري الإشارة إلى أنّ الخطر الكبير في قانون العفو المُرتقب والذي سيشمل نحو 60000 شخص يحملون الجنسيّات اللبنانية والسورية والفلسطينيّة، يتمثّل بصُدوره إستنادًا إلى المادة 150 من قانون العقوبات– على الأرجح، الأمر الذي من شأنه إسقاط كل عُقوبة أصليّة كانت أو فرعيّة عن المُستفيدين من القانون، ما سيجعلهم يستعيدون حُقوقهم المدنيّة كاملة، مع قُدرة اللبنانييّن منهموالذين بلغوا الواحد والعشرين من عمرهم المُشاركة في التصويت!

في الختام، لا بُد من الإشارة إلى أنّه بسبب تحديد موعد ​الإنتخابات النيابية​ في 6 أيّار المُقبل، فإنّه ما لم يتم إقرار "قانون العفو" قبل 22 شباط 2018، الموعد الأخير لعقد جلسة تشريعيّة للمجلس النيابي قبل الإنتخابات، سيتم إرجاء الملف مُجدًدًا إلى موعد لاحق. وفي كل الأحوال، وعلى الرغم من أنّ المعنيّين مُباشرة بمن يُنتظر أن يشملهم قانون العفو يُراهنون على أن تنتهي المُحاولات القائمة حاليًا بشكل إيجابي، إن لم يكن قبيل الإنتخابات فبعد إتمامها بفترة وجيزة على الأكثر، من الضروري نقل وجهة النظر المُقابلة التي تشمل شرائح واسعة من اللبنانيّين تُطالب بتعليق المشانق وبالتشدّد بالأحكام وببناء المزيد من السُجون لكل المجرمين والخارجين على القانون، بدلاً من منحهم أسبابًا تخفيفية وتبريرات مختلفة، وبدلاً من أن يُظلم ضحايا هؤلاء المجرمين الموقوفين أو المحكومين غيابيًا، مرّتين: الأولى عند وقوع ضحيّة الجريمة المباشرة والثانية عند الإفراج عن مُرتكبها بعفو شامل!

(1) بلغ معها مجموع ​جرائم القتل​ خلال العام 2016 الأسبق 134 جريمة، وخلال العام 2017 السابق 124 جريمة، أي بمعدّل جريمة كل ثلاثة أيّام!