يرى مراقبون ان وصف وزير الخارجية ​جبران باسيل​ رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ "بالبلطجي"، ليس بالسابقة في التخاطب بين القيادات ال​لبنان​يّة وعدد من اللبنانيين، إذ في إمكان رئيس الحكومة الأسبق ​تمام سلام​ والنائب ​وليد جنبلاط​، على سبيل المثال ان يعودا الى الارشيف ليكتشف اللبنانيّون ان الزعيم الراحل ​كمال جنبلاط​ نعت رئيس الحكومة الراحل ​صائب سلام​ بأقذع النعوت قائلا "سلام زقاقي، قزم، مريض، عميل، غدّار، واستغل المقاصد وقبض ثمن الغدير ٣ مرات"، وفي اليوم الثاني رد سلام على جنبلاط واصفا إياه "بالمخرّب والإقطاعي والاشتراكي الزائف والدجّال والمتقلب والمهرج".

وكان يفصل بين منزل جنبلاط في حي اللجا والمصيطبة دارة سلام بعض الامتار، ولم يعمد انصار جنبلاط ولا انصار سلام الى قطع الطرقات وحرق الدواليب، والهجوم على مقاربات بعضهما البعض. هذا مع العلم ان باسيل كان يتحدث في لقاء مغلق غير مخصص للإعلام في حين ان كلام سلام وجنبلاط كان علنيا وتصدّر عناوين الصحف!.

ورأت مصادر سياسية مخضرمة ان ما نشهده اليوم على خلفية فيديو مسرب تناول فيه وزير الخارجية رئيس المجلس النيابي بكلام "متفلّت" على حد تعبير تمام سلام، وردّات فعل انصار بري من قطع طرقات وحرق دواليب ومحاولات التعدي على مكاتب ​التيار الوطني الحر​، ليس ردا على كلمة "بلطجي"، بل يعكس شعورا لدى فريق بأنه يرغب في استرجاع مكاسب راكمها بالممارسة ومن خارج النصوص الدستوريّة، وآخر إستعاد صلاحيّات رئاسيّة يرفض تبديدها كما حصل في الاعوام الثلاثين الاخيرة زمن جمهورية الطائف.

واشارت هذه المصادر الى ان من اهم الاسباب التي أدت الى هذه الأجواء ان الحرب اللبنانيّة التي استمرت عدة أعوام وأتت على الأخضر واليابس ختمت على "زغل"، دون الرجوع الى اسبابها والعمل على معالجتها، بل حصل عكس ما هو منطق الثورات والحروب التي تعلم شعوبها دروسا لعدم تكرارها، وقبل الشعب اللبناني بأن يعود "أمراء هذه الحرب"، الى السلطة دون أيّ محاسبة على الذي اقترفوه بحقه.

ولاحظت المصادر ان هؤلاء "الأمراء" يمارسون نفس النهج الذي اتبّعوه في استباحة مصالح لبنان واللبنانيين، تارة بالسلاح وتارة اخرى بالممارسات السياسيّة دون رقيب من الشعب اللبناني الذي لا يزال حتّى اليوم يعيد نفس الاشخاص ونفس الأحزاب الى السلطة .

ولفتت المصادر الى دخول عنصر جديد في التركيبة اللبنانية، لان الدول العربية والأجنبية فرضت على اللبنانيين وصاية سورية، أخلّت بالتوازن في البلاد، حيث قبل فريق بمغانم ماليّة، مقابل غض النظر عن استبدال شعار أنّ قوة لبنان بضعفه، بشعار دولة مواجهة من مذهب واحد، اثبت اصحاب هذه النظرية قدرتهم العسكرية على إلحاق الهزيمة بالإسرائيليين، وخلق مناخ شعبي وسياسي مؤيّد لهم، لدرجة ان البعض اصبح يشكو من وجود دويلة ضمن الدولة، دون ان يفعلوا شيئا لاستعادة دولتهم .

ورافق هذه القوّة العسكرية قوّة سياسية استطاعت هي ايضا الامساك في الاوضاع السياسيّة الداخلية، اشتكت منها بعض الأحزاب ولكن انقساماتها جعلتها عاجزة عن فرض اي تغيير .

وتعتقد المصادر نفسها ان الوصاية السوريّة على لبنان والانقسامات داخل الفريق المسيحي حالت دون تطبيق الطائف اي الدستور اللبناني، الذي يحتوي على مواد كثيرة تحد من تحكّم طائفة بأخرى ويلغي الطائفيّة السياسيّة مما جعل هذا الاعوجاج أمرا واقعا يرفض الفريق الذي حقّق مكتسبات كبيرة التنازل عنها .

اليوم وبحسب المصادر، نحن امام معركة سياسيّة كبرى للتخفيف او لإزالة سيطرة مذهب معين من المذاهب الاسلاميّة على مفاصل الدولة بكاملها، مشيرة الى ان جوهر الخلاف بين التيار الوطني الحر و​حركة امل​ يدور حول هذه النقطة .

وترى المصادر ان الشرارة التي حركت كل هذه القضايا كانت محاولة تصحيح بعض الخلل من خلال مرسوم عادي، فإذا باصحاب النفوذ يدقّون ناقوس خطر ما يعتبرونه تعدٍّ على الميثاقيّة والدستور، بينما في الحقيقة هو محاولة خجولة لوضع الامور في نصابها.

واستنتجت المصادر بأن أية مسكنات للازمة الحالية اذا ما تمت، ستكون موضعيّة وموقتة وسيؤدّي الى استعادة أزمة تلو أُخرى وان في ظروف وأسباب مختلفة، اذا لم تعقد طاولة حوار حقيقيّة وتتوافق على برنامج لتنفيذ كل ما ورد في الطائف بحذافيره وعلى مراحل، قبل خراب البصرة .