لم تكن يوماً العلاقة بين الاطراف اللبنانيين سمناً وعسلاً، بل كانت دائماً تشوبها الكثير من المطبات والتشويش، وهي تطورت مع الوقت ووصلت الى حد المواجهات على الارض. واليوم، لا تختلف الظروف الحالية عن السابقة سوى من ناحية السقف الذي تم وضعه بغطاء دولي، بحيث ان الخلافات تبقى تحته ولا يُسمح لها بالوصول الى الميدان.

ولطالما كانت ​الانتخابات​ مواسم تجذب الكلام العالي والهجمات بين اطراف متصارعة سياسياً، وبالاخص بين ​حزب الله​ وامينه العام السيد حسن نصرالله وتيارات واحزاب اخرى تعارض فكره ومواقفه وتصرفاته داخل لبنان وخارجه. والمواجهات السياسية مشروعة في دول العالم، وبالتالي، كان الحزب واخصامه في السياسة يخوضون (ولا يزالون) جولات عديدة من المواجهات السياسية المحتدمة، ولكنها بقيت ملتزمة الحدود الموضوعة لجهة حفظ الامن والاستقرار وعدم تهديد صيغة العيش المشترك. من هنا، انتهز معارضو الحزب كل الفرص المتاحة لهم لاستهداف حزب الله ومسؤوليه والتشكيك بمواقفهم وتصرفاتهم، كما عمد الحزب من جهته الى الرد بالمثل، والهدف بين الطرفين (كما بين بقية الاطراف المتنازعة سياسياً) واحد وهو جذب اكبر عدد من المؤيدين.

حالياً، باتت الانتخابات على الابواب، ومن الطبيعي ان تعلو الاصوات وشد عصب الشارع بشتى الوسائل من اجل تأمين مقعد نيابي في البرلمان، وفي ظل القانون الجديد ولوحة التحالفات الاشبه بـ"الموزاييك"، حان "​موسم الصيد​" وبات كل حزب وتيار ومسؤول فيهما عرضة للاستهداف السياسي. من هذا المنطلق، يمكن التطرق الى الخبر الذي نُسب الى نصر الله وتم نشره على موقع "فردا نيوز" الايراني وفيه عنوانان سرقا الانظار: اعتبار رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ حفيد الامام علي، ووضع ​ولاية الفقيه​ فوق ​الدستور اللبناني​.

هذا الخبر انتشر مثل الهشيم في النار بعد دقائق من نشره، ورأى فيه اخصام نصر الله من السياسيين، "سلاحاً ايرانياً اعلامياً" لجأوا الى استعماله لتغيير معادلة في الاصوات لم تنجح السنوات الفائتة في تغيير الستاتيكو القائمة عليه، فلم تستقطب اصواتاً وشعبية اكبر لمعارضي الحزب، كما انها لم تنجح في تخفيف عدد المؤيدين او نقل جزء منهم الى مكان سياسي آخر. ردّ الحزب كان سريعاً، فاعتمد اولاً على المصادر التي نفت الخبر، ودعّمه بعدها بسحب الموقع الايراني نفسه الخبر والاعتذار من القراء عن المعلومات غير الدقيقة التي نشرها. ولكن مستعملي "​السلاح الايراني​ الاعلامي" لم يتخلوا عنه بهذه السهولة، فاستهداف نصرالله به هو امر مهم بالنسبة اليهم لان "السلاح اللبناني الاعلامي" لم يؤد الى النتيجة المرجوة، فيما هذا النوع من ​الاسلحة​ يمكن ان يحدث خرقاً نظراً الى العلاقة المتكاملة بين الحزب وايران من جهة، وهو امر يجعل من الصعب التشكيك فيه من قبل حلفاء الحزب ومؤيديه، والى الكلام المنشور وفيه الكثير من المخاوف التي تصيب شريحة كبيرة من اللبنانيين من جهة اخرى.

ومن الممكن القول ان السلاح الايراني الميداني نجح في اكثر من بلد وفي مقدمها ​سوريا​، ولكن السلاح الايراني الاعلامي لم يؤت الثمار التي كان يرجوها من استعمله من اجل جذب الاصوات، اضافة الى ضرب حلفاءالحزب في الانتخابات اينما كانوا (ما عدا ​حركة امل​ المرتبطة بتحالف اساسي مع الحزب) والى اي طائفة او مذهب انتموا، فيظهروا امام الناخبين بصورة مغايرة فلا يجد الناخب بداً من اعطاء صوته الى الآخرين وهم من معارضي حزب الله بطبيعة الحال.صحيح ان اطلالة مقبلة لنصرالله كفيلة بتبديد الهواجس واعادة الامور الى ما كانت عليه قبل نشر الخبر وسحبه، اي ابقاء اعداد المؤيدين والمعارضين على حالها، ولكن ليس من السهل الطلب الى مستعملي "السلاح الايراني" القاءه والتخلي عنه بسرعة، ولو انه امر سيحصل حتماً عندما تنتفي مفاعيل هذا السلاح.