لفتت صحيفة "الحياة" الى انه يخطئ من يعتقد بأن رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ لم يكن يتوقع استهدافه، لموافقته على قانون الانتخاب الذي يجمع بين النظام النسبي والصوت التفضيلي وأجريت على أساسه ​الانتخابات النيابية​، وكان من نتيجتها فوز نواب من السنة المعارضين له، إضافة إلى نواب من الطوائف الأخرى على حساب نواب كانوا في كتلته، مع أن رسوبهم يعود إلى عامل أساسي مرده إلى وجود ثغرات في الماكينة الانتخابية ل​تيار المستقبل​ حرمته من رفع عدد أعضاء كتلته من 20 نائباً إلى 24.

وذكرت مصادر سياسية مواكبة للحملات الانتخابية التي قام بها الحريري شخصياً للتعويض عن الإخفاقات المالية التي يعاني منها، أن من شروط خوض الانتخابات توافر المال والماكينة الانتخابية والعصب السياسي، فإن الأخير لعب دوراً في سد الثغرات الناجمة عن قلة المال وتشغيل الماكينة الانتخابية بطريقة أفضل، مشيرة الى انه على رغم أن الحريري خاض منازلات انتخابية كبرى في أكثر من دائرة انتخابية، فإنه نجح في المقابل في تأمين فوز 16 نائباً سنياً إضافة إليه من أصل 27 نائباً، وهذا ما حال دون منافسته على زعامة طائفته، لأن خصومه الذين هم على خلاف معه توزعوا على عدد من المحاور السياسية ولا يمكنهم الانضمام إلى محور واحد يتناغم مع ال​سياسة​ التي يتبعها ​حزب الله​ على المستويين الإقليمي والعربي.

وفي هذا السياق تقول الاوساط أيضاً عن الثغرات التي قللت من فاعلية ماكينته الانتخابية، بأن لدى الساحة السنية كما الساحات الأخرى، وإنما بأقل حدة ثلاثة مشاريع سياسية كانت حصيلة البرامج الانتخابية التي جرت على أساسها المعركة. وتلفت المصادر نفسها إلى أن المشروع الأول يكمن في تمسّك الحريري بالحفاظ على الاستقرار الأمني والنقدي لتحصين الساحة اللبنانية حيال ما ينتظرها من ارتدادات أمنية وسياسية يمكن أن تترتب على التقلبات التي تعيشها المنطقة في ضوء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الست. وتؤكد المصادر عينها أن الرئيس نجيب ميقاتي الذي فاز في انتخابات طرابلس - الضنية - المنية على رأس لائحة من 3 نواب من غير السنة ليس بعيداً عن التوجه العام للرئيس الحريري في خصوص الاستقرار الداخلي، لكنه يطمح إلى تكليفه ​رئاسة الحكومة​ العتيدة وهذا ما أفصح عنه أخيراً، لا سيما في حال واجه الحريري صعوبات تتجاوز مسألة التكليف إلى التأليف.

وتعتقد المصادر بأن رئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي الذي فاز وحيداً عن أحد المقاعد الخمسة للسنّة في ​بيروت​، يسبح في التوجه، السياسي نفسه للحريري، لكنه يقدم نفسه على أنه المرشح الاحتياط لرئاسة الحكومة في حال تعذر تكليف الأخير أو ميقاتي. وترى أنه يمكن تصنيف موقف ميقاتي ومخزومي على خانة النزاع مع الحريري على رئاسة الحكومة وهذا، لا ينسحب على النواب السنّة الآخرين من خارج كتلة «المستقبل» الذين يطمحون للعب دور في المعادلة السياسية الداخلية، إنما بالاعتماد على القوى الداعمة لهم.

وتقول المصادر إن هذا التوصيف ينطبق على فيصل كرامي وجهاد الصمد وعبدالرحيم مراد وأسامة سعد، الذين ينظر إليهم، على أنهم يحملون مشروعاً ثانياً وأن خياراتهم لن تنفصل عن خيارات الثنائي الشيعي أي أمل و حزب الله وإن كان كرامي سيكون على تحالف مع ميقاتي وكتلة زعيم تيار المردة سليمان فرنجية الذي يفضل أن يبقى في منتصف الطريق لتقديم نفسه مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية.

لذلك تؤكد المصادر ان الانتخابات النيابية انتهت إلى تثبيت مشروعين سياسيين، ونجح الحريري في إسقاط المشروع الثالث الذي حمله ريفي الذي لم يتمكن من أن يأكل من صحن "المستقبل" انتخابياً. وعليه، خرج الحريري من الانتخابات منتصراً وبأدوات انتخابية متواضعة إذا ما استثنينا منها العصب الذي مكّن "الحريرية" من تصدر الزعامة السنية في مواجهة منافسين موزعين على عدد من اللوائح أولها لائحة ميقاتي.

وهكذا يبقى الحريري المرشح الأول لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، وهذا ما عبر عنه معظم رؤساء ​الكتل النيابية​ العتيدة وأولهم رئيس البرلمان ​نبيه بري​، وإن كان بعض من رشحه أو على الطريق لتسميته لا يزال ينظر بحذر الى تحالفه مع "​التيار الوطني الحر​" من جهة وإلى إصراره على المضي في التسوية السياسية التي توصل إليها مع العماد ​ميشال عون​ قبل انتخابه رئيساً للجمهورية والتي يفترض أن تخضع إلى تعديلات أو احتمال إلحاقها بملحق خاص يتعلق بالإستراتيجية الدفاعية للبنان. إضافة إلى تهيئة الظروف للإفادة ممّا تقرّر في مؤتمر سيدر في باريس.