خلال السنوات الماضية، نفّذت القوى الأمنيّة اللبنانيّة العديد من الخُطط الأمنيّة في محافظة ​البقاع​، وتحديدًا في منطقة بعلبك-الهرمل، لكنّ النتائج جاءت مُتواضعة في كلّ مرّة، بحيث كانت عصابات القتل والخطف والسطو المُسلّحوالسرقة والتهريب وزراعة الممنوعات وبيعها، إلخ. تعود سريعًا إلى أنشطتها الجرميّة ما أن تنسحب القُوّى العسكريّة من المنطقة. فهل الخطّة الأمنيّة الجديدة المَوعودة مُشابهة للخطط السابقة التي باءت كلّها بالفشل-ولوّ بنسب مُتفاوتة، أم أنّها تختلف عنها، وتعد بالتالي بتحقيق النتائج المرجوّة منها؟.

أوّلاً: في المرّات السابقة كان يتمّ الإعلان عن موعد إنطلاق الخطط الأمنيّة مُسبقًا، وكان يتمّ إرسال وحدات عسكريّة كبيرة إلى البقاع بشكل إستعراضي وفي ظلّ تغطية إعلاميّة واسعة، الأمر الذي كان يؤدّي إلى فرار المطلوبين وإلى إختبائهم في مناطق حُدوديّة نائية وحتى إلى دُخولهم إلى ​سوريا​ في بعض الأحيان. أمّا هذه المرّة، فإنّه لا موعد مُحدّد للخطة التي ستتمّ على مراحل وبشكل تصاعدي ومفتوح من دون أي سقف زمني، وبالتالي لا إستعراضات إعلاميّة بالنسبة إلى نقل ونشر الوحدات العسكريّة والقوى الأمنيّة المُشاركة، حيث يتمّ منذ مدّة إرسال المزيد من الوحدات والقوى الرسميّة إلى البقاع، بعيدًا عن الضجيج الإعلامي والخطابات السياسيّة الرنّانة، على أن تتواصل هذه العمليّة في المرحلة المُقبلة.

ثانيًا: في المرّات السابقة كان يتمّ إشراك الوحدات العسكريّة والأمنيّة المُنتشرة في البقاع في الخطّة الأمنيّة، بينما هذه المرّة لن تلعب هذه القُوى سوى دور المُؤازرة، حيث أنّ الدور الرئيس سيكون مَنوطًا بوحدات قتاليّة نخبويّة من خارج البقاع، وذلك منعًا لإستغلال المَطلوبين أيّ رابط عائلي أو عشائري أو أي معرفة مُسبقة بالعناصر المُكلّفين المهمّات الأمنيّة، كما حصل في بعض المرّات في السابق وأدّى إلى إفشال أكثر من مُحاولة إعتقال مُسبقًا.

ثالثًا: في المرّات السابقة كانت تتحرّك وحدات كبيرة بشكل واضح ومعروف للجميع، وتقوم بمُداهمة سلسلة من المنازل والأماكن المشبوهة، لكنّ هذا الأسلوب كان يُعطي الوقت الكافي للمطلوبين للفرار، بحيث لم تكن القُوى المُداهمة تقع سوى على بعض الأسلحة والعتاد الحربي وعلى بعض الممنوعات. أمّا هذه المرّة لا عمليّات دهم جَماعيّة، بل عمليّات دهم فرديّة نوعيّة ومُباغتة، وذلك وفق معلومات إستخباريّة مفيدة، على أن تتمّ مؤازرة الوحدات التي ستُنفّذ المُداهمات بقوى عسكريّة تقليديّة تقوم بنصب حواجز متحرّكة على الطرقات الرئيسة والفرعيّة وحتى على المعابر غير المنظّمة، وذلك لمنع فرار أي من المَطلوبين.

رابعًا: في المرّات السابقة كان يتمّ إهمال المعابر والممرّات الحُدوديّة الصغيرة وغير الشرعيّة، لكن هذه المرّة العمل جار على ضبط الحُدود بشكل كامل قبل تنفيذ الخُطّة، بحيث سيكون من الصعب على أي مطلوب الفرار إلى خارج لبنان، أو حتى إلى مناطق جرديّة حُدوديّة، بالسهولة التي كانت مُتوفّرة في الماضي.

خامسًا: في المرّات السابقة كانت العمليّة تؤدّي إلى توقيف عشرات المطلوبين "الصغار"، من دون التمكّن من توقيف أحد من المُصنّفين من ضمن "الرؤوس الكبيرة"، بينما هذه المرّة، لن يكون هناك مُداهمات سوى باتجاه "زعماء" و"قادة" العصابات، قبل مُلاحقة أي مطلوب آخر، حيث أنّ الأهداف الموضوعة تتضمّن أسماء لنحو 40 مطلوبًا من المُجرمين الفارين.

سادسًا: في المرّات السابقة كان يتمّ التعامل مع منطقة المُداهمات كمناطق عسكريّة مُغلقة، الأمر الذي كان يُثير حفيظة بعض الأهالي على إقفال الطرقات وعلى خرق حُرمات البيوت، بينما هذه المرّة سيتمّ التعامل مع أهالي مناطق المُداهمات باحترام كبير، لحثّهم أكثر فأكثر على الوُقوف إلى جانب القوى الأمنيّة، وإلى عدم تغطية الجناة أيّا تكن الإعتبارات والموانع.

في الختام، قد يكون الرابط الوحيد بين الخُطّة الأمنيّة الأحدث للبقاع الشمالي، والخطط السابقة التي جرى تنفيذها، هو حُصول القوى الشرعيّة على "ضوء أخضر" شامل من مُختلف القوى والفاعليات السياسيّة والحزبيّة والدينيّة والإجتماعيّة، إلخ. علمًا أنّ هذه المرّة المُطالبة بالتحرّك من قبل الفاعليّات البقاعيّة هي أكثر وُضوحًا، وأشدّ صخبًا. وبطبيعة الحال، إنّ الخطة الجديدة تلقى التشجيع الكبير من مُختلف المواطنين، أكانوا من سُكان البقاع أم من خارجه، بسبب تفاقم الفلتان الأمني ونسبة الجرائم بشكل يفوق التصوّر، وبسبب رغبة شعبيّة عارمة بأن تفرض الدولة هيبتها من جديد، وخُصوصًا أن يلقى المُجرمون-على إختلاف أنواع جرائمهم، العقاب الذي يستحقّونه، خاصة وأنّ بعضهم نصّب نفسه بطلاً على خُطى "روبن هود"!.