اشار المفتي الجعفري الممتاز ​الشيخ أحمد قبلان​ الى اننا نتمنى أن يكون ​تشكيل الحكومة​ قريباً، وبأسرع وقت، باستثناء بعض القيادات السياسية التي باتت تهوى السفر والنزول في الفنادق الفخمة، على حساب خزينة الدولة، وتجيد لعبة فرض الشروط وكسر الآخرين لا شراكتهم، لا تهمها أمور الناس، ولا تعنيها شؤون البلاد، بل تصرّ على السلبية السياسية ولو خرب البلد، طمعاً بالحصول على حصّة أكبر في الحكومة، فأي حكومة ستكون في خدمة الناس والوطن، طالما أنها موزّعة حصصاً على الأفرقاء! ما يعني أن المصلحة الوطنية مغيّبة، وأن كل ما له علاقة بالإصلاح و​مكافحة الفساد​ وإعادة بناء الدولة والحفاظ على حقوق المواطن واعتماد الكفاءة وتأمين ​الكهرباء​، وإطلاق البرامج ومشاريع التنمية، وتوفير فرص العمل، كل ذلك غير وارد، ولا مكان له في خطط ورؤى الحكومة المقبلة - إذا ما تشكّلت- ، لأن الغاية ليست قضايا الناس بل رهانات إقليمية وارتباطات دولية تتحكّم بمسار التأليف الذي تشرف عليه وتديره ذهنيات تمارس لعبة العزل والإقصاء، وترفض مشاركة الآخرين، في الوقت الذي يحتاج فيه وطننا إلى الجميع، ولا يمكن الاستغناء فيه عن أحد، لأن ما نحن فيه، وما يشهده البلد من تدهور وتراجع في كل المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، بات يفرض على كل فريق سياسي التزاماً مطلقاً بتقديم كل ما من شأنه تسهيل الأمور، والوصول بعملية التأليف إلى خواتيمها المطلوبة وطنياً، قبل أي غاية في نفس أي يعقوب من جهابذة هذا البلد الذين اتحفونا بسياساتهم التي لم نر ولن نرى فيها أي بصيص أمل، طالما أن استراتيجيتهم مصالحهم، وديدنهم مناصبهم".

ودعا المفتي قبلان خلال خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين(ع) في ​برج البراجنة​، الجميع إلى الإسراع في إيجاد المخارج وتقديم التنازلات من أجل البلد، وبالخصوص أولئك الذين يريدون لبنان القوي، لأن من يريد لبنان قوياً عليه أن يعطي ويضحّي ويقدّم للوطن، لا أن يأخذ منه مهما كان المبرر. وهذا ما نريده من الجميع ونطالبهم به، سيما في هذه المرحلة، فالبلد والناس والطبيعة والبيئة في لبنان لم تعد تحتمل هذا التعاطي السياسي الأرعن والقاصر في الشأن الوطني العام، ولا علاقة له بحفاظ على وطن، ولا ببناء دولة، ولا بأمن وأمان اجتماعي، نحن في بلد مأزوم، والدولة فيه غائبة إلا على الفقراء؛ والمافيات السياسية والمالية والقضائية والأمنية فيه باتت تتحكّم بكل مفاصله، ومعاناة ​النزوح السوري​ أصبحت معضلة اقتصادية واجتماعية ووطنية، لا تحلّ إلا بتعزيز التنسيق مع ​سوريا​ كضرورة وطنية وإقليمية، وكحاجة ماسّة لإنهاء هذا الملف الذي لا يمكن أن يتمّ إلا بالتواصل والتعاون مع ​الحكومة السورية​ وبعودة العلاقات المميزة بين البلدين، لأن في ذلك خدمة للبنان ولسوريا، وحاجة أكثر من ضرورية لكلا الشعبين الشقيقين.

وأكّد سماحته أننا "في بلد يحتاج إلى نفضة أفقياً وعامودياً، وما كنا نراهن عليه بعد ​الانتخابات النيابية​ من انطلاقة إصلاحية وتغييرية، ومن ورش وطنية يتشارك فيها الجميع من أجل الجميع، ثبت أنه رهان في غير محلّه، وقد صدق فيه القول "كلما جاءت أمة لعنت أختها"، فكيف الحال إذا ما الأمة بقيت كما هي، وهذا ما يخيف اللبنانيين الذين يتطلعون إلى نمط سياسي جديد، ونهج حكم مختلف، وأسلوب عمل حكومي ومؤسساتي، يشعر معه المواطن بأن الانتقال من دولة الحصص والمغانم قد بدأ، وأن دولة خدمة المواطن قد انطلقت، في ظل عهد جديد، كنا نأمل ولا نزال أن يتحرّر من كل العراقيل والعقد السلطوية القريبة والبعيدة، وأن يعمل مع الصلحاء والحرصاء على وقف النزف الوطني، والدفع بالبلد إلى مسار إنقاذي يضع حداً للطائفية السياسية البغيضة، ويرسّخ منطق الدولة الذي يحمي الوطن ويضمن حقوق المواطن".

واعتبر سماحته "أن منطقة ​بعلبك الهرمل​ كانت ضحية فساد السلطة، وعدم حضور الدولة كمؤسسات وتنمية، هذا المنطق يجب أن ينتهي، لأن مبدأ الدولة كسجن وكمذكرات توقيف أصبح غير مسموح، بل يجب حفظ الناس وتمكينهم بكل الضمانات التنموية والصحية والتربوية، كما ليس مسموحاً اللعب على وتر المناطقية، لأن التحريض واللعب بهذا الملف يحرق البلد. وعلى القيادات المعنية والمسؤولة أن تتنبه لهذا الأمر وتعمل على وأده بشتى الوسائل".

وحذّر المفتي قبلان من القانون الصهيوني الجديد الذي أقرّ الدولة القومية لليهود، واعتبره أمراً خطيراً جداً، وانكشافاً حقيقياً لعنصرية هذا الكيان الغاصب، ولأطماعه التوسعية، الأمر الذي يدعونا أن نرفع الصوت عالياً ونقول لكل العرب ولكل المسلمين ولكل الفلسطينيين: "أما آن الأوان كي تتحدوا، وتوقفوا انقساماتكم، وتتصالحوا وتتوافقوا على نضال سياسي وعسكري واحد وموحّد، يمكّنكم من مواجهة هذه التحديات الخطيرة! أما آن الأوان كي نوقف نحن العرب نزاعاتنا وخلافاتنا وحروبنا في اليمن وسوريا والعراق وليبيا كي نكون معاً وصفاً واحداً في التصدي للمؤامرة الكبرى التي تحاك وتفبرك ضد منطقتنا وشعوبنا ودولنا".