يتعرض ​لبنان​ بين الحين والآخر لسلسلة من الاستهدافات التي تعمل على تقويضه والحد من عزيمة ابنائه، وترسّخ فكرة عدم الاعتماد على اي فكرة او اقتراح او مسار من شأنه ان يحسّن وضعه في المستقبل وفق ما يرغب به ابناؤه.

في تاريخه المعاصر، تحمّل لبنان استهدافاً عسكرياً بعد الاحتلال السوري لاراضيه بمباركة غربية عبر ترك العنان لاسرائيل لمحاولة تغيير خريطته السياسية والجغرافية، واستهدافاً اقتصادياً ومالياً، واستهدافاً سياسياً قاسياً، وها هو اليوم يتعرض لاستهداف تربوي عبر جامعاته. لا يمكن لاحد ان ينكر ان مواجهة اي استهداف خارجي انما يتم عبر التضامن والوحدة بين ابناء البلد المستهدَف، وهي خط الدفاع الاول والبديهي لاحباط كل الهجمات مهما كان نوعها. ولكن، عند حصول أيّ خلل في الوضع الداخلي، فإن القلق الشك يسود وتضعف الجبهة ونصل الى حدود الخطر.

في الشأن التربوي الذي نعيشه اليوم، حصل لغط كبير حول شهادة ​الجامعة اللبنانية​ وموقف ​اوروبا​ منها، وبغض النظر عن السجال الحاصل في هذا السياق والذي لا يصبّ حتماً في خانة تقوية وتعزيز الجامعة اللبنانية او الحالة التربوية في لبنان بشكل عام، من المهم الاشارة الى ان هذا التشكيك يتغذى بشكل مستمر من كثيرين يهمّهم ان يفشل لبنان او على الاقل ان يتراجع في المجال التربوي كي يتمكنوا من الظهور وشق طريقهم نحو الشهرة.

وليس خافياً على احد ان مستوى التعليم في لبنان هو الافضل في المنطقة وفي ​العالم العربي​، وهو مستوى اكثر من مقبول في القارتين الاوروبية والاميركية، بدليل "التهافت" العربي ومن الدول المحيطة على جامعاته قبل الانتقال الى التخصّص في الخارج، ناهيك عن التميّز الذي يلقاه طلاب ​الجامعات​ اللبنانية في الدول المتقدّمة اذ يستلمون مناصب مهمة واساسية في دول مرموقة، وما على المُشكّك في هذا الكلام سوى التطلع الى نجاحات اللبنانيين في اميركا والعالم وتوليهم ارفع المناصب الطبية والتربوية والمدنية، دون التطرق الى المجال السياسي، و​الطلاب​ من جنسيات اخرى تخرجوا من لبنان.

وبالتالي، من المنطقي فهم ما يقوم به البعض في الخارج، وخصوصاً من الدولالعربية، لتشويه صورة التميّز اللبناني في المجال التربوي، علّهم يحظون بفرصة للبدء بالترويج لجامعاتهم وصعود سلم النّجاح الذي لا يزالون في درجات متدنيّة فيه، وهذا سبب تضخيم الامور وتعظيمها، وهؤلاء على استعداد لسحب رعاياهم من الطلاب في لبنان ونقلهم الى دول اخرى للتمهيد لتعزيز المستوى التربوي في بلادهم اذا اقتضت الحاجة.

واذا كان من المفهوم قيام البعض في الخارج بهذه الحركة المسيئة للبنان بشكل عام، ولقطاعه التربوي بشكل خاص، لا يمكن فهم مايقوم به بعض اللبنانيين انفسهم في هذا السياق، وهم كمّن يطلق النار على نفسه فيعمد الى ركوب الموجة الغربيّة دون التفكير بمدى الاذية التي يلحقها ببلده وبمواطنيه وبالجسم التربوي اللبناني بأكمله، ودون التفكير بالهدف الذي يقوم به بعمله هذا: فهل هو مادي او معنوي ام سياسي؟ كلها امور ستستقط حتماً والتاريخ شاهد على ذلك.

لا أحد ينفي وجود اخطاء تشوب الجسم التربوي اللبناني، ولكن اصلاحها لا يتم بهذه الطريقة، بل عبر اعتماد سياسة جادّة وجديّة في الاضاءة فقط على مكمن الخطأ والعمل على منع انتشاره، وليس اثارة الخوف والشك وزرع القلق في نفوس الطلاب اللبنانيين وغير اللبنانيين على حد سواء.

من المتوقع ان تنجلي الغيمة التربوية عن لبنان، كما انجلت قبلها الغيمة العسكريّة والامنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، وعندها لن يتمّ التشكيك بالمستوى التربوي في هذا البلد الذي خرّج اجيالاً عديدة من افضل الطلاب اللامعين في لبنان والعالمين العربي والغربي.