لا يجيز القانون عقد زواج مدني في ​لبنان​، ولكنه لا يعارضه ويعترف به بحال كان مصدره بلدا خارجيا، فهو لا يعتبر مخالفا للنظام العام. اليوم يعود الحديث عنه وقوننته مجددا، بعد أن تطرقت اليه وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن، الأمر الذي فتح باب النقاش على كافة ​وسائل التواصل الاجتماعي​ بين مؤيد ومعارض وغير ممانع، ولكن هذا كله لا ينفع، فالقرار لدى المسؤولين الّذين يتبعون طوائف محدّدة، ومعلوم أن المعارض الاول للزواج المدني هو رجل الدين.

بعد أكثر من 65 عاما على طرح موضوع ​الزواج المدني​ للمرة الاولى في لبنان، و20 عاما على آخر محاولة جدّية لإقراره، تعود القضية الى الواجهة، ويبدو انها ستعود لتخمد مجددا، كما في كل مرة سابقة. كانت ​دار الفتوى​ السبّاقة الى إعلان رفض الزواج المدني، وهنا نستذكر الفتوى التي أصدرها المفتي السابق محمد رشيد قياني عام 2013 والتي أعتبرت " بأن كل من يوافق من المسؤولين المسلمين في السلطة التشريعية والتنفيذية في لبنان، على تشريع وقوننة الزواج المدني، هو مرتد وخارج عن دين الاسلام، ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين".

من هذا المنطلق يمكن اعتبار رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ مرتدّا، ولكن يبدو أن ​الفتاوى الدينية​ باتت سياسيّة، وانتهى مفعولها مع رحيل المفتي السابق. موقف دار الفتوى الحالي هو رفض مطلق لمشروع الزواج المدني في لبنان ومعارضته لأنه يخالف أحكام الشريعة ​الإسلام​ية، الأمر الذي يؤكده مفتي ​طرابلس​ و​الشمال​ ​مالك الشعار​ في حديث لـ"النشرة"، مشددا على أن كل مسلم من اهل الإسلام، وكل مسيحي يعرف دينه، لا يمكن أن يوافق عليه، لأن فيه خروجا عن الأحكام الدينية والسماوية.

لا يختلف موقف مدير المركز الكاثوليكي للإعلام ​عبدو أبو كسم​ عن موقف الشيخ مالك الشعار، ولو أنه يفصّل أكثر في موقف الكنيسة. حيث يؤكد أبو كسم أن الكنيسة لا يمكن أن تقبل بالزواج المدني لتعارضه مع أصول الزواج الذي يعتبر سرّا مقدّسا من أسرار الكنيسة، وبالتالي لا يمكن أن يتغير موقفها لا اليوم ولا بعد مئة عام. ويضيف أبو كسم في حديث لـ"النشرة" ان "الكنيسة لا يمكن أن تضغط على النواب وتحديدا المسيحيين منهم، بقضية التشريع، ونحن نعلم ان تحقيق هذا الامر بحاجة الى تعديل دستوري للمادة 9 التي تتحدث عن الاحوال الشخصيّة، وبالتالي فالقضيّة ليست "لعبة".

ويشدد أبو كسم على أن الكنيسة ستلتزم بحال أقرّت الدولة قانون زواج مدني إلزامي، فهي تحت القانون، ويمكن عندها للأزواج أن يسجّلوا زواجهم مدنًّيا، ومن ثم إقامته كنسيًّا، مشيرا الى أن الكنيسة تعارض الزواج المدني الاختياري بشكل مطلق.

لا يتوقع أبو كسم أن يصل هذا الموضوع الجدليّ الى نتيجة، فلبنان بلد متعدد ​الطوائف​ والمذاهب، ولن يكون سهلا بمكان أن يُقرّ الزواج المدني، ولكن بالنسبة الى عضو تكتل "​لبنان القوي​" القس ​إدغار طرابلسي​ فإنّ إقرار الزواج المدني الاختياري في لبنان بات ضرورة في القرن الـ21 لانّ الدولة يفترض أن تكون في خدمة كل شعبها.

يرى طرابلسي، الرجل "النائب" و"القسيس الانجيلي"، أن الدولة في لبنان اعطت الطوائف حق إجراء "عقد" الزواج مع الإمساك بالاحوال الشخصية، ولكن لا يحقّ لهذه الطوائف بالمقابل ان تحرم الدولة من حقها في اقامة عقود زواج مدني اختياري لمن يريد. وييسأل في حديث لـ"النشرة"، "هل الزواج المدني هو أمر نجس أو شرير أو خاطىء دينيا"؟!.

إن مفاعيل عقد الزواج لا يمكن أن تتحقق اذا لم يتم تسجيل العقد، من هنا يشير طرابلسي الى أن الزواج بلا طقس ديني لا يُعتبر "زنى"، خصوصا وأنه من المتشدّدين في معارضة ورفض "الزنى" و"​المساكنة​"، ولكن، تطبيقا لمبدأ "لا إكراه في الدين" فإنه لا يجوز أن نلزم من لا يريد دخول الكنيسة أن يدخلها، ولا أن نُلزم من لا يريد اعتماد قوانين الأحوال الشخصيّة للطوائف أن يعتمدها.

لا يخاف طرابلسي ألاّ يحضر المؤمن الى الكنيسة، فهو سيحضر بكل تأكيد، ولكن لا يجوز ألاّ تمارس الدولة سيادتها كاملة، رغم قوّة المؤسّسة الدينيّة في لبنان. لا يبدو ان نهاية هذا الموضوع ستكون قريبة، خصوصا وأن الانقسام حوله قد يكون أصعب من أيّ انقسام آخر.