يقترب المرشح الرئاسي الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، الذي لعب دور الرئيس الاوكراني في المسلسل التلفزيوني المحلي "خادم الشعب"، من تحويل هذه الشخصية الخياليّة الى شخصية حقيقيّة واقعيّة. فبعد تفوّقه على الرئيس الذي ستنتهي ولايته والمرشح للانتخابات الحالية ​بيترو بوروشينكو​ في ​الدورة​ الإنتخابية الاولى (حصد الاول 30 بالمئة من أصوات المقترعين بينما حصل الثاني على 16 بالمئة)، ينتظر المرشحان الجولة الثانية من ​الانتخابات​ في الواحد والعشرين من نيسان الجاري لتحديد الرئيس المقبل للجمهورية الأوكرانية.

هذه الإنتخابات سيكون لها وقعها على مستقبل ​أوكرانيا​، نظراً للاختلاف الفكري بين المرشحين، ونظراً ل​حساسية​ الوضع السياسي في هذا البلد الذي يعاني من الانقسام الداخلي بين راغب باستمرار العداوة مع ​موسكو​ والارتباط ب​أوروبا​ و​أميركا​، وبين راغب ببقاء العلاقات التاريخية بين البلدين. فما الذي أدّى لتفوّق زيلينسكي، وما الذي سيؤثّر على المقترعين في الجولة الثانية من الإنتخابات؟.

الممثل والسياسي...

يفتقر الممثل الكوميدي زيلينسكي للخبرة السياسية فهو لم يخض هذه الغمار سوى في مشاهد تمثيلية، الا أنّه حقق فارقا وضعه بموقع قوّة بوجه رجل الاعمال بوروشينكو الذي يعتبر مخضرما في السياسية، خصوصا بعد توليه الحكم في فترة مليئة بالاستحقاقات والنزاعات مع ​روسيا​ واتخاذه خطوات عديدة كانت جريئة بحق العلاقات الأوكرانية-الروسية، لا سيما آخرها كان تعليق العمل بإتفاقيّة الصداقة والمعاهدة بين الدوليتن الجارتين. الا ان تقدم زيلينسكي ان اوحى بشيء، فهو سخط الشعب الأوكراني من آداء السلطة الحاكمة إضافة الى سوء الاحوال الإقتصادية الذي تسبب فيه النظام السياسي الحالي بعد القطيعة مع روسيا. وربما يرى الشعب الاوكراني في زيلينسكي بارقة امل في إخراجه من محنته حتى لو أن سيرة هذا الممثل الذاتية تفتقر للخبرة في مجال ​السياسة​، أو أن فريق عمله المحيط به غير معروف في هذا المجال.

لفهم الواقع الداخلي الأوكراني، يجب الدخول أكثر في أقسامه الفكرية. فالمجتمع الأوكراني ينقسم إلى ثلاثة أقسام أساسية: الأوليغارشية (هي الطبقة الحاكمة في أوكرانيا والتي تمثّل النخب من أصحاب رؤوس الأموال والنافذين)، عصابات النازيين الجدد (حركة سياسية ايديولوجية تحمل فكرا راديكاليا متطرفا تنشط في ​اوروبا​ الشرقية والغربية تتبع مبادئ الفكر النازي)، والمواطنون الذين يعيشون رغبة الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي هو أبعد من الخيال نسبة الى واقع أوكرانيا الإقتصادي والفكري والإجتماعي. وهنا يكمن التحدي امام زيلينسكي حيث ان المطلوب منه التوفيق بين تليين الموقف مع روسيا، الأمر الذي يعتبر حاجة ماسة للشعب الأوكراني نظرا للوضع التاريخي بين البلدين، والعمل على حلم بعض الأوكران وهو الإرتماء في احضان الإتحاد الاوروبي الذي يستقطب ويستهوي ​الشباب​ الأوكراني المنتشر في بلاد أوروبا بحثا عن لقمة عيشه.

الأزمة والإنفصاليين

تعيش ​اوكرانيا​ منذ العام 2014 تحت وطأة حرب أهليّة في اقليم الدونباس الذي يضم الجمهوريتين الشعبيتين المعترف بهما من طرف واحد ​دونيتسك ولوغانسك​، المقاطعتان اللتان يسيطر عليهما الإنفصاليون بدعم روسي علني وصريح. حيث انتجت هذه الأزمة اضافة الى الدمار والقتلى، نزوحا الى مختلف المدن الذي ترتّب عنه تبعات شكّلت ضغطًا إضافيًّا على ​الحكومة​ الاوكرانية.

وبالتالي فإن مفتاح الحل الطبيعي لإنهاء الأزمة في شرق البلاد موجودة لدى الروس، وهذا يتطلب من أي مرشّح حكمة شديدة في التعاطي مع هذا الملف، خصوصا بعد ان فاقم بوروشينكو الأمور بمناوراته مع روسيا التي دهورت العلاقات الى أدنى مستوياتها، لذلك أصبح المطلوب معالجة الملف بحنكة وليونة مع الروس لإعادة العلاقات الى السكة الصحيحة مع الأخذ بعين الإعتبار التموضع الأميركي الأوروبي في بلاده.

المطلوب إذاً من المرشّح الراغب بالفوز ليس سهلا أبدا، وعليه اتخاذ المواقف الرماديّة في الفترة الآنيّة ريثما يخرج أوكرانيا من عنق الزجاجة. وكل ما يأمله منه شعبه تحقيق الرفاه والاستقرار السياسي والأمني وعودة النهوض ب​الاقتصاد​، وحجز مقعد متقدّم للبلاد بين الدول المنتجة.