توحي كلُّ الإجراءات الأميركية بحق ​إيران​، والتدرّج في حصار الجمهورية الإسلامية أن واشنطن إتّخذت قرار إسقاط الدولة الإيرانية، عبر الحصار تمهيداً لضربة عسكريّة ترغب الولايات المتحدة أن تكون قاضية، أو تكرار المشهد ​العراق​ي أيّام نظام صدام حسين.

لكن مؤشرات بالجملة، تفيد بأن الأميركيين لا يسعون لضرب إيران، بعد تكرار المسؤولين في ​البيت الأبيض​ مصطلح "ترويض" طهران.

اولاً، لا يريد الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ دفع تكاليف ماليّة على حرب عسكريّة، أو أن تتحمّل دول خليجيّة الكلفة، لانّه يريد الأموال أن تصبّ في خزائن الولايات المتحدة، لا أن تذهب على حروب يستطيع أن يحقّق الغايات منها من دون أيّ كلفة لا بشريّة ولا ماديّة.

ثانيا، يتصرف الأميركيّون وفق معادلة إبتزاز الدول الخليجيّة مالياً جرّاء تخويفهم من "الخطر الإيراني" أو "التمدّد الإيراني". فإذا زالت هواجس الخليجيين إثر ضرب الأميركيين لإيران، فلا إمكانيّة لسحب الأموال من عواصم خليجيّة الى خزائن اميركية.

ثالثا"، تخشى تل أبيب من ردّ إيراني عبر قصف طهران وحلفائها البنية ال​إسرائيل​يّة الإستراتيجيّة بمنظومة صواريخ متطورة جدا تطال كل زاوية في إسرائيل.

رابعا، تستطيع الجمهوريّة الإسلاميّة إرباك التجارة الدوليّة عبر السيطرة على مضائق بحرية كهرمز مثلا، ما يسبّب ارتفاعا في الاسعار، ويهز الاسواق العالمية...

خامسا، لا ترغب ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع اسعار النفط في العالم، فتحرص واشنطن على ضبط الأسعار لحماية المصالح الأميركيّة، ولذلك سمحت الولايات المتحدة بإبقاء اقنية لتصدير النفط الايراني عبر العراق ودول أخرى لن تطالها العقوبات الدوليّة.

كل ذلك، تواكبه مساعٍ لفتح التفاوض بين واشنطن وطهران تقوم بها عواصم غربيّة، لإعادة تجربة وزير الخارجية الإيرانيّة ​محمد جواد ظريف​ في التفاوض مجدداً. وبحسب المعلومات لا يوجد موانع جوهريّة لاعادة التواصل، لكن ترامب يريد التفاوض مع طهران تحت الحصار وفي ظل الضغوط على ايران، للإستحصال على مكاسب، وفي الأولوية ما يتعلق بصفقة القرن.

يسعى ترامب لفرض تسوية كبرى، عمادها حل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تحت عنوان الصفقة، لا تزال تعترضها القوى الفلسطينية ودول عربيّة، لكن البيت الأبيض يعتقد ان ازالة الموانع الإيرانيّة تُزيل المعارضة الفلسطينية الشرسة، وتسمح بوجود طرف فلسطيني مفاوض.

لأجل ذلك، رفع ترامب من سقف التصعيد ضد الجمهوريّة الإسلاميّة وحلفائها القريبين منها، لفرض تنازلات جوهريّة، ولم يجد أفعل من زيادة الضغوط الإقتصاديّة التي تغيّر أمزجة الشعوب، بفعل حاجة الناس الى لقمة العيش، او لمستوى معيشي إعتادت عليه تلك المجتمعات.

فكلما زادت الازمة بين الايرانيين والاميركيين، إقترب بصيص التسويات الّذي يلوح في الأفق عبر سويسريين أو عُمانيين...

وقد اظهرت واشنطن إشارات إيجابيّة على هذا الصعيد، من خلال ترك مسارات تجاريّة إيرانيّة، وتحديدا حول النفط، رغم صعوبات المرحلة الثانية من العقوبات.