بالرغم من كل الاعتراضات القواتيّة في المرحلة الماضية على آداء ثنائي "المستقبل"–"الوطني الحر"، والانتقادات المعلنة لما يُقال أنها محاولة للاستئثار بادارة البلد بكل مفاصله، ما دفع بالبعض الى حدّ الاعتقاد بأنّ ​معراب​ تتجه للانتقال من صفوف المعارضة داخل السلطة الى خارجها، اظهر حراك رئيس الحزب ​سمير جعجع​ في الايام القليلة الماضية حرصه على البقاء في جنة الحكم، ما دفعه لترميم علاقته برئيس الحكومة ​سعد الحريري​ وتزييت قنوات التواصل مع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​.

وشكّل اللقاء الذي جمع الحريري–جعجع كما اجتماع الرئيس عون بالوزير السابق ​ملحم الرياشي​ مادة دسمة للتحليل السياسي حول خلفيّة الحراك القواتي وأهدافه. وفي هذا الاطار، تفصل مصادر قواتيّة بين الحدثين، لافتة الى انّ اللقاء الاخير مع رئيس الحكومة "أعاد احياء العلاقة بين القوات والمستقبل التي هي أصلا من طبيعة استراتيجيّة ومن العلاقات النموذجيّة منذ العام 2005 ولغاية اليوم"، معتبرة أنها "ربما مرت بغيمة صيف عابرة إبّان الانتخابات الرئاسيّة، الا انها تجاوزتها، علما انه خلال تلك المرحلة أيضًا ظلّت قنوات التواصل مفتوحة ولم تحصل ايّة قطيعة سياسية".

وتشير مصادر "القوات" الى أنه "في مراحل معيّنة كانت هناك ملاحظات على أداء ومواقف "المستقبل" وهذا أمر طبيعي بالحياة السياسية، فالى جانب العلاقة الاستراتيجية مع الحريري بعمقها الاقليمي والنظرة الواحدة للبنان الدولة، كانت هناك مقاربة مختلفة للشأن العام، لكن ذلك لم يُفسد بالودّ قضية".

وتوضح المصادر أن "الجلسة الاخيرة بين الحريري وجعجع كانت من اهم الجلسات التي عقدت منذ فترة، بحيث خلصت الى توافق على الاصعدة كافة، سواء بوجوب التمسّك ب​سياسة النأي بالنفس​ في خضمّ التطورات الخارجيّة الخطيرة، والسعي لابعاد لبنان عن كل الصراع الاقليمي الخارجي وصراع المحاور، او لجهة النظرة المتطابقة على مستوى الداخل لجهة أن الممارسات التي تحصل تحت سقف التسوية ليست بالممارسات التي يطمح اليها الثنائي القوات–المستقبل، وقد عبّر الحريري صراحة عن ذلك خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مؤخرا بالسراي الحكومي وأبدى فيه اعتراضه الشديد على الممارسة القائمة التي تضرب الاستقرار والانتظام السياسي والانتاجيّة الحكوميّة".

وقد صال جعجع وجال خلال لقائه الحريري بموضوع التعيينات. وهو شدّد، بحسب المصادر، على وجوب "الالتزام بآليّة التعيينات التي تشكّل مصلحة حيويّة للبنان لبناء دولة المؤسّسات".

ونقل الرياشي أجواء لقاء الحريري–جعجع والتفاهمات التي توصلا اليها الى الرئيس عون، "من منطلق انه فوق كل النزاعات بين القوى السياسيّة، وان القوّات حريصة على قنوات والتواصل والتفاعل مع الرئيس على غرار حرص عون على العلاقة مع "القوات".

وتكشف المصادر القواتيّة ما حمله الرياشي لعون، متحدثة عن 3 نقاط اساسية، اولا، اعتبار تبنّي العهد مسألة آليّة التعيينات انجاز ثان بعد انجاز قانون الانتخاب، باعتباره يدفعنا باتجاه دولة المؤسسات، ثانيا، تجديد طلب جعجع من عون أن يضع يده على بعض المسائل لضبط الاستقرار، لأنّ لبنان يمر بلحظة اقتصاديّة ماليّة دقيقة تستدعي المزيد من الاستقرار والانتظام لنتمكن من الوصول الى بر الامان، أما النقطة الثالثة، فمرتبطة بسياسة النأي بالنفس وضرورة الالتزام بها لابقاء لبنان بمنأى عما يحصل في المنطقة.

فهل تنجح "القوات" بحراكها المستجدّ باتجاه عون والحريري بتحصين نفسها في ظلّ صراعها المحتدم مع وزير الخارجية ​جبران باسيل​؟ أم يغلبها الأخير مجدّدا في حال عاد رئيس الحكومة ليبدي علاقته بـ"الوطني الحر" على ما غيرها من العلاقات؟.