يدخل المقهى بزيّه التقليدي موجّها التحيّة يميناً وشمالاً للحاضرين، يحمل كتابه تحت إبطه، يصعد على منبره ليجلس على كرسيه المثبّت في قلب "المقهى"، ثم يفتح كتابه المليء بالقصص والحكايات، ويبدأ بحماس "كان يا مكان، بقديم الزمان". هذا أول ما يخطر للأذهان حين ذكر الحكواتي.

"الحكواتي" هي المهنة التي اشتهرت بها بلاد الشام في بداية القرن الماضي، والتي تُعتبر من تراث ​لبنان​، إلا أنها بدأت تقترب من "الإنقراض" بسبب ابتعاد ​الشباب​ عن هذه الأنواع من الثقافات والتصاقهم أكثر بكل ما هو مرتبط بالإنترنت.

في هذا السياق، وبهدف إعادة إحياء هذا التراث، بدأت مجموعة من اللبنانيين بالتحرك وتنظيم النشاطات المتعلقة بفنّ الحكواتي، وعرضها في لبنان وخارجه. آخر هذه النشاطات كان مهرجان "سوق عكاظ" في المملكة العربية السعوديّة، حيث شهد الجناح اللبناني اقبالا كثيفاً لمشاهدة "الحكواتي".

فنّ تراثي

تروي الفنانة ناتالي سرحان، والتي لعبت دور الحكواتي في الجناح اللبناني بسوق عكاظ، في حديث مع "​النشرة​"، كيف كان الجناح اللبناني والخاص بـ"الحكواتي" استثنائياً من جهة الحضور الرسمي والشعبي، وشمل العديد من الفئات العمرية، مشيرة إلى أن القصص كانت تتمحور حول الحياة الريفيّة في لبنان والقصص القديمة التي كانت تُروى.

وعن هذا الفن في لبنان، توضح سرحان "أننا نعمل على إحياء هذا التراث القديم، عبر سرد القصص الخرافيّة والشعبيّة التي كان يستخدمها الحكواتيون في الماضي"، مشيرة إلى "أننا نجري أبحاثا كثيرة للحصول على القصص التي كانت تروى في السابق عبر مصادر وكتب عديدة في هذا المجال".

من جهته يوضح المنسّق التنفيذي لجمعية السبيل علي صباغ، والتي تعمل على ترويج المطالعة وعمل المكتبات العامة المفتوحة والمجانيّة، أن "الحكايات الشعبية هي من الفنون التراثيّة التي اشتهر بها لبنان وبلاد الشام عموماً"، لافتاً إلى أنه "عادة ما يكون كاتبها غير معروف إذ انها تبدأ كحكاية فيتم تداولها بعدّة طرق لتصبح قصة تروى بأشكال مختلفة من الحكواتي".

إحياء التراث

يبتعد الشباب مؤخراً، وبسبب انتشار ​مواقع التواصل الإجتماعي​ و"فورة" الإنترنت، عن المطالعة و​الكتب​، حتى باتت كل الفنون الشعريّة والنثريّة ضائعة بين الأوراق دون التمكن من الإستفادة منها. هنا، يلفت صبّاغ الإنتباه إلى أن "جمعية السبيل، وضمن أهدافها المنصوص عنها في بيان ​الأونيسكو​ الصادر عام 1994، تعمل للمحافظة على التراث الشفهي وإعادة إحيائه. من هذا المنطلق بدأنا الإهتمام بالحكاية الشعبية التي تعتبر من التراث الشفهي، ونعمل على المحافظة عليها"، موضحاً أنه "رغم الجهود المبذولة، إلا أن انخفاض نسبة القراءة لا يساعد في نشرها، لذا بدأنا بمشروع "الحكواتي" ضمن نشاطات "مهرجان حكايتنا" لننشر هذا الفن".

تعمل جمعية "السبيل" اليوم، حسب صبّاغ، على تدريب عدد من الحكواتيين، لتطوير قدراتهم وتأهيلهم أكثر لنشر هذا الفن، وذلك عبر ورشات عمل تدريبية يقوم بها إختصاصيّون وعلى رأسهم الحكواتي "جهاد درويش".

بدورها، تشير الحكواتيّة ناتالي سرحان إلى "أنني خضعت لعدد من الدورات التدريبية مع عدد من الشباب، إضافة لورشات عمل تدريبية مع أشخاص من مختلف الدول العربيّة لتبادل الخبرات وبإشراف أساتذة جامعيين وخبراء في هذا المجال، معتبرة أن "هذا المجال لإحياء القصص التراثية التي لا حدود لها، كما أن إقبال المواطنين هو من مختلف الفئات العمرية ما يدل على أن هذا الفن لا يزال مرغوباً لدى الجميع".

تعمل جمعية "السبيل" منذ عامين على إقامة النشاطات المتعلقة بـ"الحكواتي" أبرزها "مهرجان حكايتنا" الذي سيبدأ نهاية هذا الشهر في نسخته الثانية. هذه العروض مجانيّة ولكل الفئات العمريّة، وستكون بدعم وتمويل من مؤسسة "التعاون". ومع هذه العروض، سيعود "الحكواتي" إلى لبنان، ليعيد إحياء هذا التراث الذي بدأنا نفتقده.