ليست المرة الاولى التي تتعرض فيها ​التسوية الرئاسية​ التي أدّت الى اخراج الفراغ من ​قصر بعبدا​، وحلول العماد ​ميشال عون​ مكانه، لنيران مركّزة بهدف اسقاطها او على الاقل فك خيوط التحالفات التي نسجت من ضمنها. عقبات كثيرة تخطتها التسوية منذ ابصارها النور، وها هي اليوم عرضة لعقبات جديدة يعتقد البعض انها ستكون حاسمة هذه المرة وتنهي كل مفاعيلها، فيما يراهن آخرون على ان هذه الاهداف لن تبصر النور.

في الواقع، من غير المحتمل بتاتاً ان تهتزّ اسس هذه التسوية لتسقط، ومن المرجح ان تنتهي الحملة على غرار الحملات السابقة، بنتيجة واحدة وهي بقاء التسوية على قيد الحياة لا بل ربما تعزيزها اكثر واكثر. لا يمكن انكار قوّة الحملات التي يشنّها البعض، ان من خلال استهداف ​رئيس الجمهورية​ العماد ميشال عون عبر مواضيع عدّة ومحاور كثيرة، او عبر دقّ اسفين في العلاقة القويّة التي تربط رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ووزير الخارجية ​جبران باسيل​، من خلال البناء على اختلافات سياسية ومذهبية بينهما لاخذها الى مجالات ابعد.

ولكن الواقع يفرض على الجميع التعاطي مع هذه التسوية على انّها معمّرة لسنوات، ليس بهمّة داخلية فقط بل بدعم خارجي قويّ وثابت. فهل يمكن لعاقل ان يصدّق ان الدعم الدولي المتوافر للبنان منذ العام 2011 سيتلاشى بين ليلة وضحاها لارضاء بعض الاشخاص، او خوفاً من مماحكات من هنا وهناك بين الافرقاء في لبنان، او عبر تصريح قاس او موقف عالي السقف من باسيل او رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط او رئيس ​القوات اللبنانية​ سمير جعجع او غيرهم من القيادات؟ الم يسأل احد نفسه بعد عن السبب الذي يدفع ب​حزب الله​ الى عدم التعرّض لهذه التسوية مهما بلغت لغة التخاطب بينه وبين اخصامه اللبنانيين في السياسة حدتها؟ اليس من المستغرب انّه على رغم كل ما شهدناه من مشاكل واحداث كانت كفيلة سابقاً بالاطاحة باكثر من حكومة وبفكّ الارتباط بين اكثر من طرف وحليف، بقي الوضع على ما هو عليه؟ الم يتساءل احد عن سبب عدم وصول الازمة السياسية والاقتصادية والمالية الى حدّ الانهيار رغم اعتراف المسؤولين السياسيين انفسهم بأنّ بنود المعالجة تأخّرت ولم يتمّ بعد اللجوء الى سبل العلاج كما هو مفروض؟ كل هذه المؤشرات تدل على مدى قوة بنيان التسوية الرئاسيّة، وعلى انّ الدعوات الى وجوب تخطيها والتعاطي مع واقع جديد يعمل على انهائها وطيّ صفحتها، هو من باب الكلام فقط لا غير، والذي لن يقدّم او يؤخّر في الوضع القائم. من هنا، من غير المأمول ان تنجح محاولات اغتيال التسوية، وقد نشهد خلال ايام قليلة انخفاض مستوى الحملات بفعل التدخلات الخارجية التي تحرص على عدم انهيار أيّ ركيزة من الركائز الثلاث التي يقوم عليها لبنان وهي: السياسة والامن والاقتصاد. ستبقى الهزّات والمشاكسات ضمن هذه الركائز دون شك، ولكنها لن تصل الى حد السماح بانهيار البلد، وهذا ما كان واضحاً في كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بشكل خاص مع كل من الرئيس عون ورئيس الحكومة، كما ان العمل على اخراج لبنان من ازمته يسير ببطء، لانّ هناك شروطاً لم تلبَّ بعد، وكلما عمل اللبنانيون بجدّ وبحرص لاتمامها بفاعليّة، ساهموا ايضاً في عمليّة الانقاذ، كل وفق مهمته وصلاحياته، شرط ان تتوقّف ولو لفترة، المحاصصات والمحسوبيّات والهدر والفساد. ليس من المتوقع ان نصل الى بلد مثالي خلال هذين اليومين المقبلين، ولكن من الممكن اذا ما توافرت الارادة، ان يتم وقف المزاريب كخطوة اولى، فتتوقّف الخسائر ليبدأ بعدها العمل على معالجة الاوضاع برويّة ووفق مخطط يجب تنفيذ بنوده دون أيّ تلكّؤ.