مرّت العلاقة بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل" خلال الأسابيع والأيّام القليلة الماضية، بأكثر من خضّة، وُصولاُ إلى إلغاء نُدوة كان من المُقرّر أن يُحاور فيها رئيس "التيّار" وزير الخارجية والمُغتربين ​جبران باسيل​ كوادر "المُستقبل" في قصر القنطاري مساء الأربعاء المُقبل. فهل فعلاً العلاقة بين الطرفين ذاهبة إلى الصدام، وربّما إلى الطلاق، بعد بُلوغ الإشاعات حدّ الحديث عن تغيير حُكومي؟.

لا شكّ أنّ الكيمياء مَفقودة بين مُناصري ومُؤيّدي الطرفين منذ فترة طويلة، وهو ما يُترجم تهجّمات مُتبادلة بينهما على مواقع التواصل الإجتماعي، عند أصغر موقف مُتمايز أو تباين في الرأي. ولا شكّ أيضًا أنّ الخلاف على صلاحيّات موقعيّ رئاسة الجمهوريّة ورئاسة الحُكومة هو محطّ شدّ حبال دائم(1)، والتباينات في الرأي بين الطرفين تطال أمورًا عدّة، من الملفّات الحياتيّة وُصولاً إلى قضايا سياسيّة إقليميّة كُبرى. وخلال الأيّام الماضية، تفاقمت العلاقة أكثر نتيجة إعتراض جُمهور "المُستقبل" على تهجّم أحد نوّاب "التيّار" وبعض مسؤوليه، على السياسة الإقتصادية التي أرسى أسسها رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​، إعتبارًا من العام 1992، والتي "تسبّبت بغرق لبنان بالديون، ومن ثم بغرق لبنان في كلفة تسديد فوائد الدين"!. في المُقابل، إعترض جُمهور "الوطني الحُرّ" على غياب الحُكومة كليًا عن مشهد الإعتراضات الشعبيّة يوم الأحد، بحيث تلقّى رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ سهام المُتظاهرين، و"كأنّ الحُكم في لبنان لا يزال رئاسيًا، علمًا أنّ السُلطة التنفيذيّة، أيّ تلك التي تُقرّر، هي بيد الحُكومة مُجتمعة، ما يستوجب على رئيسها الدفاع عنها وعن سياساتها"!.

لكن وعلى الرغم من كل ما سبق من تباينات، وعلى الرغم من توقّع المزيد من الخلافات بين نوّاب الطرفين، عند البحث المُرتقب في تفسير المادة 95 من الدُستور في 17 تشرين الأوّل الجاري، وذلك بناء على الرسالة التي كان رئيس الجُمهورية قد وجّهها بهذا الخصوص إلى المجلس النيابي في وقت سابق، فإنّ العلاقة بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل" مَحكومة بسقف الحفاظ على "التسوية الرئاسيّة" التي حصلت في العام 2016(2). ومن بين أبرز الأسباب التي تجعل كلاً من "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل" يُحافظان على علاقة التنسيق بينهما، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: إنّ رئيس "تيّار المُستقبل" الذي يُواجه صُعوبات داخليّة من قبل قوى سنّية تُحاول سحب الشعبيّة من تحت أقدامه، وحتى مُنافسة داخليّة ضُمن صُفوفه لإستمالة مُؤيّدين يدينون بالولاء للتيّار الأزرق، لا يُمكنه التخلّي عن موقع رئاسة الحُكومة الذي يُؤمّن له حاليًا الغطاء السياسي والمَعنوي المَطلوب، في ظلّ تدهور أوضاعه ماليًا وسياسيًا وشعبيًا.

ثانيًا: إنّ رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" الذي يسعى لإنجاح العهد الرئاسي، وإلى تحضير الأجواء لولاية رئاسيّة أخرى تكون بقيادة "التيّار"، لا يُمكنه المُخاطرة بإبعاد الحريري عن موقع رئاسة الحُكومة، في ظلّ الظروف الإقتصاديّة والماليّة الضاغطة التي يمرّ فيها لبنان، وفي ظلّ الضُغوط الخليجيّة والأميركيّة التي يُواجهها لدفعه إلى تغيير سياسته من "​حزب الله​".

ثالثًا: كل من رئيس الحُكومة ووزير الخارجية يُدرك أنّ الكثير من القوى السياسيّة، والعديد من الشخصيّات اللبنانيّة، ينتظرون لحظة إستحكام الخلاف بينهما، لأهداف مُختلفة ومتعدّدة، حيث هناك من يريد إضعاف "التيّار" ومن يريد إضعاف "المُستقبل" بالمُطلق، وهناك من يريد إضعاف الحريري ومن يريد إضعاف باسيل بالتحديد، وهناك أيضًا من يريد إضعافهما معًا وإسقاط "التسوية الرئاسيّة" ككل، إلخ...

في الخُلاصة، يُمكن القول إنّ ما بين "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل" ليس تحالفًا إستراتيجيًا بالمعنى العريض للكلمة، بل هو تفاهم تكتيّ ومصلحي مُتبادل، يُفيد الطرفان–أقلّه في ظلّ المُعطيات الداخليّة الحاليّة، والتوازنات الإقليميّة والدَوليّة القائمة. لكنّ ظروف هذا التفاهم يُمكن أن تسقط سريعًا بمُجرّد أن يُقرّر "التيّار" سحب تأييده للحريري كرئيس للحُكومة، أو بمُجرّد أن يُقرّر "المُستقبل" عدم التصويت لصالح أيّ مرشّح من "الوطني الحُرّ" للإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة!.

(1) في أحدث الأمثلة على ذلك، إعتراض نوّاب "التيّار" خلال الجلسة التشريعيّة الأخيرة على قرار تمويل مشاريع إنمائيّة لبعض المناطق دون سواها، وإنسحاب رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ إعتراضًا على ما إعتبره مسًّا بصلاحياته، لجهة حقّه بسحب أي مشروع.

(2) أسفر التفاهم بين "الوطني الحر" و"المُستقبل" آنذاك، عن التوافق على سلسلة من البُنود غير المُعلنة، أبرزها إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، على أن يتولّى رئيس "المستقبل" سعد الحريري رئاسة حُكومات العهد الرئاسي.