تستمر التظاهرات في مختلف المناطق والطرقات اللبنانية، وبوتيرة كبيرة، وتستمر معها المطالب المتعددة للمتظاهرين، الا ان التوجّه الاكبر الذي يبدو انه بات الاقرب الى الجميع، هو: "رأس الحكومة". هذا المطلب وصلت رسالته الى المسؤولين، وباتوا متآلفين معه، ويتردّد انهم أعدوا العدة من خلال الاتصالات والمشاورات، لوضعه موضع التنفيذ في وقت قريب، خصوصاً وانه حاز على غطاء ديني من الداخل، واقليمي ودولي من الخارج عبر ما نقله موفدون وسفراء. وفي هذا السياق، يمكن فهم ما تضمنته كلمة رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ الى اللبنانيين بالامس، والرد السريع الترحيبي من رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، وما قاله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. ووفق المعلومات المتداولة حالياً، فإن التوجه هو نحو اعتماد تعديل حكومي وليس استقالة الحكومة، يشمل وجوهاً جديدة مع النية في تصغير عددها بنحو 8 الى 10 وزراء. ووفق المعلومات ايضاً، فإنّ هذا التوجه مردّه الى المحافظة على ​الدستور​، وعدم اضاعة الوقت من خلال الاستقالة واجراء مشاورات نيابية والتكليف ومشاورات نيابيّة جديدة ريثما يتم التأليف والعودة الى مجلس النواب لنيل الثقة. هذا المسار هو الطريق الطبيعي لولادة أي حكومة جديدة، ولكنه يأخذ وقتاً حتى في ظل وجود توجه للاسراع في الخطوات، مع الاعتماد على الحوار مع ما يمكن تسميته بـ"الحراك المدني" للحصول على موافقته ايضاً.

هذا الامر، اضافة الى سلسلة القرارات التي اتخذتها الحكومة في جلستها الاخيرة (اذا ما تم تنفيذها بالفعل وليس فقط بالقول)، يعتبر انجازاً للمتظاهرين الذين يكونوا قد حققوا في اقل من عشرة ايام ما عجز المسؤولون عن تحقيقه منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن. ولكن، هناك عقبة اساسية قد تعرقل كل هذا السيناريو، اضافة الى نقطة استفهام كبيرة لا بد من طرحها.

العقبة تكمن في ما بدأ يظهر في الساعات الاخيرة من مواجهات بين المتظاهرين، بغض النظر عن الاتهامات الموجهة من قبل الاطراف (ان باتهام حزب الله والتيار الوطني الحر بافتعال المشاكل عبر مؤيديهما، او باتهام المتظاهرين باستفزاز اطراف حزبيّة وسياسيّة من خلال ممارساتهم وشعاراتهم واقوالهم). ومن الحكمة، ولمصلحة كل من يتظاهر، ان يضع حداً لهذه المواجهات بالطريقة التي يراها مناسبة، اياً كان المسؤول عن هذه الصدامات، لان من شأن استمرارها ان يتمدد من منطقة الى اخرى اولاً، وان يشكل خطراً جدياً على سلامة الناس، ولن يكون ممكنا في حال سقوط اصابات، لا سمح الله، العودة الى الوراء، لا بل سيكون ذلك بمثابة الضوء الاخضر للجيش والقوى الامنية للتدخل بالقوة لفرض الامن وضمان سلامة المواطنين. وعندها، قد يتغيّر كل المشهد الميداني ومعه المشهد السياسي، وتضع انجازات الايام الاخيرة في مهب الريح.

اما نقطة الاستفهام، فتتمحور حول مسألة بالغة الاهمية بالنسبة الى المتظاهرين: من المحسوم ان اي تغيير سيطرأ على الحكومة (تعديل او اعادة تشكيل)، سيكون تحت ظلّ الحريري نفسه، الذي سيعود الى السراي في الحالتين، فهل يعتبر الناس انه خارج اطار مطالبتهم بالتخلص من الطقم السياسي برمّته خصوصاً وانه حظي بدعم خارجي مبكر؟ وهل هم على ثقة بأنه قادر على افتعال شيء ما من اجل تطبيق كل ما تم وضعه والمناداة به كي يسلك لبنان طريق النهوض والتخلص من ازمته الاجتماعية والاقتصادية والمالية؟ وفي حال شكّل الحريري استثناء، فما الذي سيجبر الآخرين على القبول بعدم استثنائهم ايضاً، أكانوا وزراء او نوابا؟ هذه معضلة حقيقية لا بد من التفكير فيها، ويجب مقاربتها بطريقة منطقية وموضوعية، فماذا سيكون الجواب، وهل سيرضي الجميع؟.